منطق..

21 نوفمبر 2025
21 نوفمبر 2025

يوجد نوع من التصادم بين منطق العقلانية والواقع الفعلي للناس، حيث تتداخل فيما بينهما الكثير من المؤثرات: القيم، والدين، والعادات، ومستوى الوعي، والإيمان بذات الفكرة؛ أو نقيضها، كما تأتي المسلمات بأنواعها وتموضعاتها، حيث يؤثر كل ذلك في هذه العلاقة التشابكية بين المنطق «العقل» والعاطفة «الشعور» فإذا كان الأول «العقل» يحرص على حيادية المواقف، فإن الثاني «العاطفة» تحرص على نوع من المقاربة، ولذلك قد نغمض أعيننا في مواقف غير منطقية، ونسلم الأمر من غير إيماننا بأهمية ما قمنا به، وقد نقف موقف المتصلب -مهما كلف الأمر- في مواقف منطقية، لا تحتاج إلى كثير من الجهد لاستنطاقها؛ لإيماننا أن الاستسلام يلغي هيبتنا، ومواقفنا، وقناعاتنا، وتجربة حياتنا، وكما هو معروف أن الفرد مرتهن بقناعاته وافقت هذه القناعات منطقا يقره الجميع، أو لم توافق، ولأن الأمر كذلك يبقى ليس يسيرا التأثير عليه، وزحزحته عن قناعته، ولو كان في ذلك ضرر كبير عليه، وبالتالي: متى يتحول الفرد من منطقه العقلي، ويسلم نفسه لشعور العاطفة؟ ذلك عندما تحيطه الجماعة أو الأسرة، حيث يسلم أمره لواقع تلك اللحظة؛ متنازلا عن كثير من قناعاته التي يؤمن بها، لخاطر الجماعة التي تحيطه، ففي حاضنة الأسرة يغيب العقل، كما هو معروف وفي ذلك حالة استثنائية خاصة، أما بخلاف ذلك فالأمر ليس يسيرا إطلاقا، يقول جون إهر نبرغ في كتابه؛ المجتمع المدني -التاريخ النقدي للفكرة- مترجم: «في العائلة يختفي العقل خلف الشعور والعاطفة، وفي المجتمع المدني يظهر باعتباره أداة للمصلحة الفردية الذاتية.

ولكن في الدولة فقط يصبح العقل وعيا بذاته، ويفيد في التحرر الإنساني بأن يتيح لنا بناء أفعالنا طبقا لفهمنا للصالح العام» -انتهى النص- مع أن العقل في تجريديته شبه المطلقة صعب المراس، مع أهميته في الاحتكام إليه في كثير من جوانب الحياة اليومية لحياديته في الإنصاف، بخلاف العاطفة كما تقدم، وهنا مقولة تنسب إلى المفكر برنارد شو قوله: «كلما زاد نضج الإنسان قل عدد من حوله من الناس، فالعقل الناضج لا يحتمل المجاملات» -انتهى النص- ومن هنا تأتي قلة المقربين من كبار السن الذين لا يلجأون كثيرا إلى المجاملات.

ومع أن الفكرة هنا تثمن الأدوار المحورية التي يقوم بها العقل، إلا أن الفكرة أيضا لا تسلم بالمطلق لماهية العقل، وترى أن في الحياة الكثير مما لا يتماهى مع العقل، والمنطلق، ويحتاج كثيرا إلى شيء من مناخات العاطفة والشعور التي تحكم الكثير من علاقات الفرد بمن حوله، فلا يقع الفرد في مأزق التقصير، ولا يقع من حوله في مأزق الحكم وفق ما يتوفر من رسم صور نمطية -التي تلغي دور تمحيصات العقل- عن الآخر، ففي كلا الأمرين خطورة كبيرة من شأنها أن تحدث مجموعة من التشققات في العلاقات بين الناس، كما هو الحاصل ونعيشه واقعا، نأسف على وجوده، وليس لنا القدرة على تجاوزه، فضلا عن إلغائه بالمطلق، ولذلك عندما تحاصرنا مجموعة من التناقضات التي نراها في الآخر، أو نعيشها كواقع، ونجزم أن لا قدرة لنا على تغييرها، نعود إلى الدين كأول ملتجأ نقيس من خلاله مدى صحة ما نقوم به، أهو منطق لا يتصادم مع العقل، أو هو عاطفة تحتاج إلى كثير من التهذيب، مع أن الممارسات الدينية لا تخضع للمنطق، ونحن كمسلمين مطالبون بالإيمان بكل التعاليم الصحيحة التي أتى بها الدين؛ سواء وافقت منطقا، أو لم توافق، لذلك تبقى التعاليم الدينية محورا محددا للحكم على صحة ما نقوم به من عدمه، وافق ذلك مصالحنا الشخصية -المرهونة بالعاطفة- أو تصادم معها، ومع ذلك يرى كثير من الناس أن هذه التجريدية صعبة، فيتجاوزونها اعتمادا على فكرة حاضرة باستمرار (إن الله غفور رحيم) مع أن هذه المغفرة والرحمة مرهونة بالكثير من السلوكيات المطالب بها الإنسان المسلم القيام بها حتى تتحقق.