من ترك المشي تركه
كنت في الجنوب الإيطالي قبل فترة، الذي يتميز بكثرة السلالم والصعدات كون أغلب المدن فيه جبلية، حتى روما التي قد تبدو مستوية لكن فيها الكثير من الصعدات، وجدت صعوبة شديدة في المشي بالأيام الأولى، وكنت أجد صعوبة حتى في النوم بعد العودة لمقر إقامتي من شدة الألم الذي كنت أعانيه في قدميّ من أثر التعب، لكن في نهاية الرحلة اختفى الألم كلية، وبدأت أقطع مسافات أطول دون أن أشعر بالتعب، على الرغم من أن رحلتي انتهت في ساحل أمالفي الذي تقع مدنه على الجبال، ولا توجد ثقافة المصاعد الكهربائية فيها.
يحدث أيضا أن أجد صعوبة في استعادة نشاطي بعد انتهاء فصل الصيف الذي يجبرني فيه طقس مسقط العامرة على تقليل الحركة وخاصة النشاط الرياضي، فأحتاج إلى فترة لاستعادة لياقتي، ويتكرر هذا معي كل عام.
الدرس الذي تعلمته من هذا كمهتمة بالثقافة المالية، هو أن الطبيعة خلقها ربي اقتصادية جدا، لا مجال للإسراف فيها، فأي عضو غير مستخدم ينكمش ويضعف ويتضاءل، موفرا بذلك طاقة هذا الكون لما يحتاجها، عضلاتنا تضعف وتتناقص تدريجيا عندما تشعر بأنها لم تعد تؤدي دورها، تلاحظ هذا أيضا في جهازك الهضمي، إذا جربت على سبيل المثال، الصيام المتقطع، تلاحظ بعد فترة من الزمن أن حاجتك للطعام تقل، وتتوقف عن التفكير في الطعام، مثل الكثير من الكائنات التي تتكيف مع ظروف الطقس القاسية في بيئتها التي تؤدي إلى انعدام الغذاء كلية، وذلك بتعديل نظامها البيولوجي.
في مجال المال نتبنى قناعات تجعلنا نعمد إلى تعطيل إنتاجيتنا، مثل الحكمة الدارجة (على قد لحافك مد رجليك) التي تولد قناعة أن الأرزاق مقسمة، وأنه قدر لنا أن نكون أسفل سلم هذه الأرزاق، رغم أن الله وصف ذاته جلت قدرته بالكريم المنان العدل الحق، فنستكين للقناعة المفرطة، التي تؤدي بنا إلى التوقف عن السعي، ونتوقف عن الإنتاج، والبحث عن الفرص؛ لأن أحدا ما أقنعنا، بأننا لو جرينا جري الوحوش غير رزقنا لا نحوش، ونقضي حياتنا في مقاعد المتفرجين، نراقب الآخرين ممن فهموا معنى السعي، وهم يتمتعون بالوفرة والثراء الذي حرمنا أنفسنا منه، بقناعات عقيمة، فعطلنا العقول، والطموح والسعي نحو الأفضل.
