مقـــــــــــــال.. تكليف لا تشريف

15 فبراير 2022
15 فبراير 2022

يحدث في إحدى المدارس أن يرشح ولي أمر نفسه ليكون رئيسا لمجلس الآباء، فيحشد لنفسه عددا من الأصوات ويفوز في كل سنة، وبعد ذلك يلقي كلمة مقتضبة قائلا: إن رئاسة المجلس تكليف لا تشريف، ويعيد العبارة ذاتها في بداية كل عام دراسي.

تذكرني عبارة ولي الأمر بموسم انتخابات الجمعية العمانية للكتاب والأدباء، ففي الأسابيع التي تسبق الانتخابات، نقرأ قوائم تحمل برامج لإثراء الساحة الثقافية، والنهوض بالشأن الأدبي في سلطنة عمان، وبعد فوز قائمة من القوائم، لا نرى إلا صور رئيس مجلس الإدارة وعدد قليل من أعضاء قائمته الفائزة، وهم يشاركون في الندوات والمؤتمرات المحلية والإقليمية، فنادرا ما يشاركهم أحد من خارج القائمة الفائزة، وأحيانا يغيب عن أنشطة الجمعية أعضاء القائمة الخاسرة، كما يغيب أيضا عدد من الكتاب الذين لا يظهرون إلا عند الإدلاء بأصواتهم، فهم مُنسيون دائما، اللهم إلا عند اقتراب موعد الانتخابات، طبعًا لا أحد يلوم المُرشح لرئاسة مجلس إدارة الجمعية فهو يطمح إلى بلوغ غايات أكبر من رئيس جمعية، فربما يحظى بلقب مُعين وينال في المقابل المال والجاه، ولكن يُلام الساعي للحصول على صفة كاتب وهو لا يكتب ولا ينشر، ويرضى أن يكون سُلما أو عتبة لطموحات الآخرين.

إن التمسك برئاسة جمعية الكتّاب، يُذكرنا بتمسك الكاتب السوري علي عقلة عرسان (1941) برئاسة اتحاد الكتّاب العرب، فقد ترأس الاتحاد لأكثر من ربع قرن (1977- 2005)، حتى أطلق على الاتحاد اتحاد علي عقلة عرسان ويشار له بالأحرف (ع ع ع)، ويُقدم هذا النموذج على فشل المثقف العربي في تقديم نموذج مثالي في التداول على السلطة وممارسة الديمقراطية، بل الأسوأ من ذلك أن الاتحاد مارس دور الإقصاء للمثقفين والمبدعين والمخالفين له في الرأي والتعبير، ففي سنة 1995 تم طرد الشاعر أدونيس (علي أحمد إسبر، 1930) من عضوية الاتحاد، بسبب مشاركته في مؤتمر غرناطة المقام سنة 1993 برعاية اليونسكو، وشارك في المؤتمر كتّاب إسرائيليون.

ونتيجة لطرد أدونيس من الاتحاد تضامن معه عدد كبير من الكتاب والأدباء العرب منهم، سعد الله ونوس، وإميل حبيبي، وجمال الغيطاني، ومحمد الأشعري، وسليم بركات الذي قال: «استنكر شخصيا ذلك التطاول الفكاهي من (اتحاد الكتّاب العرب) على الشاعر أدونيس، وهو اتحاد عرف أبدا، بعجزه عن رفع صوته دفاعا عن كاتب حُجبت حريّته، أو مشرد» (نشرت أراء الكتّاب المذكورين في صحيفة الحياة 20 فبراير 1995).

إن المطلوب من إدارة جمعية الكتّاب الحالية أو القادمة، انتهاج العمل باستقلالية تامة، وتقديم الجمعية كمؤسسة مجتمع مدني، وليست كيانا ملحقا بجهة تنفيذية، أي أن تعي الجمعية بأنها تنتمي لمؤسسة مدنية تعمل ضمن أُطر الدولة، وليس الحكومة على اعتبار الأخيرة سلطة تنفيذية.

لتبدأ الجمعية مثلا بالمطالبة بتعديل القوانين المتعلقة بالرأي والتعبير، وحق الحصول على المعلومة واستخدامها للمصلحة العامة، وتحسين بيئة الكتابة والنشر في سلطنة عمان.

نقدم هذه الاقتراحات مع معرفتنا المسبقة بأن أحد الرؤساء السابقين لجمعية الكتّاب قد كتب أن لحرية الرأي والتعبير أهدافا ثقافية فضفاضة، ويدعو إلى التركيز على الأنشطة الاجتماعية كالرحلات وحفلات الغداء والعشاء والإفطار الجماعي.

إن رأي الرئيس يُحترم، لكننا نرى أن حرية الرأي والتعبير مُقدمة على حفلات المشاوي ورحلات الصيف، فهذه أنشطة يمكن ممارستها في أي وقت حر، أما دور جمعية الأدباء التي يُفترض أن تضم نخبة المفكرين والمثقفين، فمسؤوليتها تقديم الرؤى والمقترحات التي تطور التشريعات وتحسين الأطر المنظمة للكتابة والإبداع والتدوين والنشر، والاستئناس بالاستراتيجية الوطنية للثقافة، والعمل وفق رؤية عمان 2040.

نود التذكير بأن إحدى إدارات جمعية الكتّاب والأدباء قد قامت بتبني عدة أنشطة ثقافية تتوافق مع الدور المطلوب من جمعية النخب الثقافية، نذكر منها: ندوة حول المرأة وحرية الرأي 2009، والمساهمة في التقرير الدولي الخاص بالاستعراض الدوري الشامل الخاص بسلطنة عمان في مجلس حقوق الإنسان بجنيف 2011.

نبارك مُقدما للفائزين بانتخابات جمعية الكتّاب والأدباء (2022-2024)، ونذكرهم بأن سُلطة الكتابة والتدوين التي يمتلكونها أهم من المناصب الإدارية والألقاب التكريمية، وبأن النصوص التي لا تُقنع قارئها لا تستطيع الانتشار مهما حاول صاحبها الترويج لها ولنفسه في المؤتمرات والندوات التي يشارك فيها ممثلًا لجمعية الكتاب، كما ندعو دائرة الجمعيات وأندية الجاليات بوزارة التنمية الاجتماعية، بصفتها المشرفة على انتخابات الجمعية، التثبت والتأكد من بيانات الأعضاء الناخبين ممن يحق لهم التصويت، فهناك أعضاء قد أخذهم الله إلى جواره -رحمهم الله.

ونتمنى أن نشهد مثالا يحتذى به في ممارسة العمل الديمقراطي، وتقبل فكرة التداول على رئاسة الجمعية، وتنفيذ مجلس الإدارة للبرامج التي وعد بتنفيذها في حملته الانتخابية.

__________

* محمد الشحري - كاتب وروائي عماني