مقال: الطبقية في دول الخليج العربي

25 يناير 2022
25 يناير 2022

يتتبع آدم هنية أستاذ الاقتصاد السياسي والتنمية العالمية في إكستر في كتابه "الرأسمالية والطبقية في دول الخليج العربية" واقع الاقتصاد الخليجي وتشابك هذا الواقع مع الاقتصاد العالمي، بعيداً عن سردية إنتاج النفط، والعلاقة القائمة بينهما والمحصورة في تصدير النفط واستيراده، فنذهب ومن خلال البحث التاريخي والأرقام لقراءة حضور اقتصادنا المحلي داخل السوق العالمية، وتأثيره على قطاعات حيوية هناك.

يكتب هنية:"دول مجلس التعاون الخليجي ليست فقاعة مغلقة يمكن فهمها من خلال التركيز الضيق على ما يجري داخل حدودها فقط (مثل توزيع عائدات النفط) بل يجب مراعاة أن هذا المكان الإقليمي شُيد من خلال العلاقات القائمة بينها وبين الرأسمالية العالمية ككل منذ نهاية الحرب ٢ على وجه الخصوص" ويسوق أمثلة على الطرق التي دُمج بها الخليج في الأسواق المالية العالمية، ومنها ما كان مرتبطاً وبشكل مباشر بتعزيز قوة الولايات المتحدة، إذ يذكر على سبيل المثال لا الحصر الجهد الخاص الذي بذلته الحكومة الأمريكية لضمان استثمار البترودولار السعودي في حسابات مصرفية مقومة بالدولار الأمريكي حتى توصلت الحكومة السعودية عام ١٩٧٤ ووزارة الخزانة الأمريكية لاتفاق يقضي بإيداع السعودية مليارات الدولارات في الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، وبذلك أصبحت السعودية تشارك في حصة الحفاظ على الدولار كعملة احتياطية دولية.

لا تؤثر سردية احتكار صورة الخليج في إنتاج النفط والعلاقات المرتبطة به في فهم واقع الاقتصاد السياسي وحده، بل تدعم بطريقة ما القراءات التي تحاول تفسير حالة الجمود السياسي في المنطقة على اعتبار أن طابع دول الخليج في كونها دولاً ذات طابع ريعي السبب في ذلك، الأمر الذي قد يعني استقلال هذه الدول عن تلك القوى المرتبطة بها في الخارج والتي تؤثر بالضرورة في هيكلية هذه الدول واستمرارها، إذا ما أردنا فهم أن الرأسمالية التي لا تنشأ من العدم طبعاً بل من خلال علاقات قائمة ومستمرة، فإنه يجب التركيز وبالضرورة أن نفهم أن هذا المكان شيد من خلال علاقاته القائمة مع الرأسمالية العالمية.

عوضاً عن أن المساهمة الفعلية لهذا البحث لا في رصد هذه السردية ومآلاتها فحسب، بل في تتبع جذور الطبقية في الدول الخليجية، وتكون رأس المال، ومساهمة الدولة الخليجية الحديثة فيه وهو أمر لطالما شغلني كثيراً، فإذا ما أمعنا النظر في بعض النماذج، وجدنا أن كثيراً من العائلات المقربة من الأسر الحاكمة في الخليج تم إثراؤها بصورة خاصة، لتتطور هذه العلاقة فيما بعد، بعد مرحلة كانت تبدو فيها مستقلة لأخرى صارت فيها مصالح وامتدادات أعمال هذه العائلات متقاطعة مع مصالح العائلات المالكة يكتب هنية: "انبثقت الطبقية الرأسمالية الخليجية بسرعة ونمط مكثف من مجموعات تجارية مدعومة من الدولة وتكتلات تجارية عائلية في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، بلغت حد هيمنة عدد قليل من التكتلات الضخمة في الفترة المعاصرة."

يرى هنية أن اللغة تُبعدنا عن هذا النوع من التفكيك والتشريح لواقعنا الاقتصادي، يُذكرني ذلك على الفور بالمشكلة ذاتها في قطاعات أخرى مثل البحوث النسوية في الخليج، إذ إن النسوية تُفرغ في العادة من حمولتها السياسية، لتعني في غالب الأطروحات الخليجية "النساء" أي الأعمال التي كتبتها نساء أو عن نساء. يبحث بوهرور عن هذا في دراسة له بعنوان" تمثلات النسوية في الشعرية الخليجية المعاصرة" اذ يتضح أن هنالك خلطاً واضحاً بين مصطلح womanism النسائية ومصطلح feminism أي النسوية. كذلك الحال في المقاربات التي ترمي إلى تشريح اقتصاد المجتمعات الخليجية، فبحسب هنية أنه من النادر أن يتم التطرق للطابع الطبقي لاقتصاد الخليج في البحوث الأكاديمية أو أي سردية تتابع تطور ذلك وإن نظرياً، فيغيب مصطلح الرأسمالية عن محاولة الدراسة هذه. وتستبدل بتعبيرات من قبيل "التجار" كمرادف لكلمة برجوازية أو طبقة رأسمالية، فيصل هنية إلى أن هذه المصطلحات المرتبطة بالرأسمالية نادراً ما نصادفها في النصوص الأكاديمية ذات الصلة بالمنطقة.

يتابع هنية من خلال الوثائق "التراكم البدائي" الأولي لطبقات التجار والنخب الاجتماعية في الخليج، وتطور العلاقة مع حاكم الأرض في خضم ذلك. ويشرح كيف أن البنية التحتية والمقاولات المرتبطة بها عبر المناقصات التي منحت لكثير من هذه العائلات ساهمت بصورة خاصة في هذا الإثراء، إلا أن هنالك عوامل أخرى خصوصاً وأن كثيراً من العائلات الحاكمة في دول الخليج ظلت بعيدة عن التجارة خصوصا تلك التي شكلت مصدراً كبيراً للثروة وهي تجارة الاستيراد وأنشطة البيع بالتجزئة الأخرى، إذ إن اتفاقاً ضمنياً بين الحاكم والتجار البارزين آنذاك قضى بأن لا تتدخل الأسرة الحاكمة في التجارة في مقابل تقديم شروط الولاء السياسي والدعم من خلال الضرائب والقروض. مما أدى لمنح الحاكم حقوق الوكالات الحصرية للواردات الأجنبية، وقد كان أن تمكنت الكثير من هذه العائلات من أن تصبح وكيلاً محلياً لكثير من السلع، فنشأت بالتالي مجموعات رأس المال الرئيسية في هذه الفترة تحديداً. يكتب هنية "تتكون حكاية تكون الطبقية الخليجية من التركيز على النفط ذاته إلى فهم كيفية تشكل العلاقات الاجتماعية في دول الخليج بصفتها جزءاً من تكثيف التدويل الداخلي للاقتصاد السياسي العالمي." وبالتالي لا يمكن فهم نشوء الرأسمالية في الخليج على أنها حدثت عبر إعادة توزيع عائدات النفط مع أهمية ذلك طبعاً بل وضع ذلك في إطار التوحيد الأوسع للرأسمالية باعتبارها النمط المهيمن للإنتاج داخل المنطقة وإنما يحدث ذلك أيضاً عبر مأسسة دائرة رأس المال وتطويرها. يتطرق الكتاب إذن إلى طبيعة العمالة القادمة للخليج وهي عمالة مؤقتة ومساهمة هذا النمط في استيفاء شرط المأسسة الذي أشرت إليه أعلاه والحفاظ على دائرة رأس المال.

الكتاب مثير للاهتمام بصورة كبيرة، وإن كانت توقعاتي منه قبل القراءة فاقت ما قرأت، إلا أنه مهم للانطلاق في محاولة البحث عن إجابة أسئلة مفصلية أخرى ذات صلة بهذا الموضوع. الجدير بالذكر أن الكتاب هو حصيلة دراسة أجراها هنية عام 2008 إبان انهيار الاقتصاد العالمي، وبالتأكيد أن اقتصادات دول الخليج تغيرت في السنوات الأخيرة ومرت بتحولات قد تنتج قراءات أخرى وسياقات أخرى، تستلزم منا البحث فيها وارتكاساتها على مجتمعات دول الخليج.