معرض مسقط الدولي للكتاب

20 فبراير 2024
20 فبراير 2024

في كل مرة يقترب فيها معرض مسقط الدولي للكتاب، أتذكر علاقتي به، التي تحققت منذ طفولتي المبكرة، إذ بدأت بالضياع عام ٢٠٠٠ وانتهت إلى ضياع من نوع آخر مع عملي كمذيعة في البرامج التي قدمتها خلال الدورات الماضية عبر إذاعة وتلفزيون سلطنة عمان.

أتذكر أبي يجر عربة صغيرة وأمي تمسك بأختي، أنا بدوري أتأمل في الكتب وألمسها بأطراف أصابعي إن لم نتوقف عندها، هكذا حتى لم أعد أرى أبي، لم يتملكني الخوف، على العكس من ذلك، قررت المضي للبحث عنهم، حتى وصلتُ لركن الاستعلامات، وتلك الطفلة الانطوائية أخبرتهم بصعوبة عن اسمها لكي يعلنوا عن وجودها معهم. لم أتخيل أبدا أنني عام 2016 مع عودتي من الدراسة سأضيع في أروقة المعرض بحثا عن ضيف أستضيفه كمراسلة لبرنامج «الجليس» الذي يقدمانه سليمان المعمري وعايدة الزدجالية عبر إذاعة سلطنة عمان العامة وإذاعة الشباب.

انتظرت دورات معرض مسقط الدولي للكتاب عاما تلو الآخر، فمنذ زيارتي الأولى له مع عائلتي، حتى درجتُ على معاودة الزيارة مع برامج زيارة المعرض المدرسية، أتذكر أننا في بعض السنوات تنافسنا على مقاعد الرحلة للمعرض في المدرسة، لكنني كنتُ محظوظة دوما بالفوز في تلك المنافسة. يدفعني لكتابة هذا كله الآن، هاجس أن يقرأ مقالي هذا أب، أو معلم، أن يعرفوا بأن فرصة أن يزوروا المعرض برفقة أبنائهم أو طلبتهم لا تفوت، وأنها يمكنُ أن تفتح العالم على رحابته لهم. لا أستطيع أن أتخيل حياتي دون القراءة، إنها وبطريقة ما يصعب شرحها هويتي!، أعرف كم يبدو هذا غريبا بعض الشيء، فنحن في العادة نقرأ لكي نعرف هويتنا ولكي نشكلها بل وأن نخترعها، أما أن تصبح القراءة هوية في حد ذاتها فهذا استثنائي. مثلت لي القراءة الأرض الراسخة في عالم سائب، وفي الوقت نفسه، رفعت القراءة قدمي عن الأرض، فأنا لا أمشي عليها، وإنما أحلم بها.

عرفتني القراءة على كل أصدقائي وأحبائي، قربتني منهم، وعافتني في بعض الأحيان من الجروح التي تسببوا بها، لم أتخيل على الإطلاق أن الأمر سينتهي بي ككاتبة أولا وكمذيعة برامج ثقافية ثانيا، صحيح أنني حصلتُ وأنا في الصف السادس على لقب أميز مذيع إذاعي في مدرستي، وأنني أحببتُ الإذاعة وعرفتني زميلاتي ومعلماتي عبرها، إلا أنني لم أتخيل أنني كنتُ أسير على الطريق المرسوم، الذي حدده لي ضياعي في معرض الكتاب ذلك العام. عندما تلتقي أمي بمعلماتي صدفة، يقلن لها: إن أمل حققت ما كانت تحلم به، وإنني في المكان الذي يناسبني وإنني اجتهدت ووصلت! يضحكني هذا الحديث في كل مرة، ويريني كيف أن الحياة في بعض الأحيان تعرفك أكثر مما تعرفها أنت. في الإنجليزية ثمة كلمة تعبر عن هذا وأحبها وهي path لا أعرف معادلا موضوعيا لها في العربية، ليس لأنها لا تتوفر عليه، بل لأنني أُحمل الكلمة كل هذه المعاني التي تختزن تجربتي مع عملي اليوم وما آلت إليه حياتي، أتخيل بأن الدرب مرسوم على الصفحة البيضاء، وأنني أوقعُ عليه فحسب، أن السيف قطع الوجود، وأن حياتي هذه ما هي إلا الدماء التي تسيل.

في إحدى سفراتي، كنتُ وكالعادة أقرأ كتابي في الطائرة، كتاب «لا أحد ينام في المنامة» للدكتور نادر كاظم الذي يؤرخ ويحلل فيه واقع مدينة المنامة البحرينية والتحولات التي شهدتها، والتي تعكس وبطبيعة الحال تغييرات إقليمية ودولية لم يسلم منها أحد. قال لي المسافر بجانبي: كيف لا ينام الناس في المنامة؟ ظننتُ أول الأمر أنه يسخر من المفارقة في العنوان، إذ إن اسم المنامة قادم من «النوم» لكنه كان يسأل حقا عن سبب عدم نوم الناس في المنامة! لقد علمتني القراءة إذن لغة أخرى، لغة قد تصبح مقفلة أمام آخرين لم يحظوا بمثل فرصتي التي أدين بالفضل بها لعائلتي.

ولذلك المسافر أقول: ينام الناس في المنامة كثيرا، لكنهم وفي كثير من الأوقات انشغلوا بالسهر، وها نحن نبالغ، فما أحلى المبالغات، إذ نقول بأن السهر، حرم الناس من نومهم في منامتهم.