مسلم العمري... هامة اجتماعية تودّعنا

01 مارس 2022
01 مارس 2022

ما الكتابة عن الرحيل، إلا تهيؤات للموت، نوع من المهادنة مع الحتم الأزلي للغياب، أو قل محاولة لتخفيف أثر الفجيعة على الذات، فحينما نرثي فقيدا فإننا نرثيه عبر مسارب الفقد الأليم، نظرا لمكانته في الوجدان ومكانه في الحيز الجمعي في الذاكرة، لهذا نبحث عن الكلمات المعبرة عن وجع الوداع، فتعجز الكلمات المنتقاة بدقة عن حمل مشاعر الألم وتفشل في إيصال المعاني وتمثلات الحزن والخسران. لهذا سنعترف مقدما بهوان المفردات وضعفها في التعبير عن فقداننا للشيخ مسلم بن سعيد محاد العمري المعروف (برسعيد حور) سليل أسرة اتصفت بالإنصاف وقول الحق، وإجماع الجموع حولها والاستئناس برأيها رغم تبدلات المراحل وتغير صروف الدهر، فحافظت أسرة برسعيد حور على مكونها القبلي (قبيلة العمري) كرأي ومشورة وموقف، إضافة إلى ذلك فإن الشيخ بن سعيد حور، مرجعية اجتماعية ليس للمنطقة الشرقية من محافظة ظفار ولايتي (مرباط وسدح) فحسب بل لعموم ظفار.

تلك المكانة لم توجد في وجدان الناس من فراغ بل من مواقف اجتماعية بقيت حاضرة في الذاكرة الشعبية، على سبيل المثال، لجوء أحد المنبوذين عُرفيا إلى بيت سعيد حور، حينما ثقل عليه (النكف) – عُرف اجتماعي ينبذ الفرد الذي يتجرأ على هتك الأعراف والمواثيق-، فقيل له إذا ستلتزم بالمثول أمام المجتمع وتدفع ما يفرضه المشرعون، فإننا سنستقبلك، فوافق المنبوذ، وآواه سعيد حور، وسعى معه إلى دفع الديات وتسديد ما عليه، فأعيد الاعتبار للمنبوذ، وعُمل معاملة لائقة.

مارس المرحوم الشيخ مسلم بن سعيد العمري، دور المرجعية الإصلاحية المبنية على الأعراف الاجتماعية، كما عمل بأطر المشيخات الجامعة والحاضنة لمختلف شرائح المجتمع، على أسس قويمة من الإنصاف والحق والصدق في القول والفعل، وهذا ما جعله مثالا يحتذى به في الصفات والسمات، لهذا لا نستغرب ضجة وسائل التواصل الاجتماعي وقصائد الشعراء في الرثاء.

إن الفقدان في هذه الحالة مضاعف، فالشخصية الاعتبارية المحبوبة من قبل كافة شرائح المجتمع، قد ذهبت إلى بارئها، وتركت خلفها سيرة عطرة من المواقف التي لا تُنسى.

إذا كانت الكتابة تعني البوح والمكاشفة، فإني أكتب عن علاقتي بالشيخ المرحوم، فقبل سنتين بالضبط، اتصل بي ليخبرني أنه رشحني لعضوية جمعية أهلية قيد التأسيس، لنتولى تسجيل الجمعية والمشاركة في أهدافها وقانونها الداخلي، فاعتذرت له نظرا لانشغالي بالدراسة، فقال: يا محمد أنا اخترتك مع شباب آخرين من المنطقة لتساهموا فيما يخدم المجتمع، ودوركم الآن تأسيس مؤسسات تقوم بأدوارها في المرحلة القادمة، فوافقت وحضرت بالفعل اجتماعا للمؤسسين، وبعد ذلك بمدة تواصلت معه، وتطرقنا في حديثنا إلى مبادرة تبناها في سنة 2014، وطرحها للمناقشة مع مكونات قبلية أخرى في ولاية مرباط، تقوم المبادرة على اتفاق الولاية على طريقة جديدة في اختيار ممثل الولاية لمجلس الشورى من ذوي الكفاءات العلمية والحضور الاجتماعي، فكان هدف المرحوم إتاحة الفرصة لأبناء الولاية الأكفاء للترشح للمجلس، بالرغم أن المكون القبلي الذي يمثله المرحوم يوصل مرشحه إلى المجلس، حتى وإن لم ينتسب إلى قبيلة العمري، وهي حالة فريدة في محافظة ظفار.

وكأي فكرة نبيلة وصادقة تعترض سبيلها العوائق، فلم تر المبادرة النور.

لرحيل مثل هذه الشخصيات الوطنية والهامات الاجتماعية نحزن، فنستذكر مواقفهم ونذكّر بمحاسنهم للاقتداء بهم والسير على نهجهم الصالح في قول الحق والعمل بالمبادئ الإنسانية الجليلة، بما يرضي الله ويخدم العباد.

سنفتقد الشيخ المرحوم مسلم – رحمه الله - فذلك مصيرنا جميعا، لكننا لن نفقد أثره ولا نهجه القائم على نكران الذات وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الفردية. فالبركة في أشقائه وأعمامه وأهله.