مدينتان أصيلتان .. تنتظران التوأمة

31 يناير 2022
31 يناير 2022

مررتُ منذ مدة بالساحل الشرقي الجنوبي للسلطنة، انطلقتُ من مدينة صور العفية إلى مدينة صلالة، في طريق طويل اكتشفه لأول مرة، وحيدًا كنت إلا من فكرة لازمتني أثناء سيري إلى (الحدرا) كما يُطلق على الجنوب في بعض اللهجات، والحدرا تعني إنزال الشيء من أعلى إلى أسفل، وكأن المتجه إلى الجنوب يتدحرج من الشمال إلى الجنوب. المهم أن الفكرة التي رافقتني على الطريق الساحلي كانت توأمة بين مدينتين عربيتين، أصيلة العمانية وأصيلة المغربية، فأثناء مروري بمدينة أصيلة التابعة إداريا لولاية جعلان بني بوعلي، قادني التفكير مباشرة إلى مدينة أصيلة المغربية، المشهورة بمهرجانها الثقافي الدولي، فقلت ماذا لو تقدم المجلس البلدي المنتخب من قبل مواطني المدينة، بفكرة توأمة مع مدينة أصيلة المغربية التي يرأس بلديتها محمد بن عيسى (1937)، وزير الخارجية المغربي السابق، وأحد مؤسسي مهرجان أصيلة الثقافي، بمعية صديقه الفنان التشكيلي الراحل محمد المليحي (1936- 2020)، خاصة أن فكرة التوأمة بين المدن تشرف عليها وترعاها منظمة المدن العربية. وتقع المدينتان على الطرفين الشرقي والغربي للوطن العربي، وكأن شمس الثقافة تشرق على مدينة أصيلة وتغرب على مدينة أصيلة أخرى، فرقتهما الجغرافيا وجمعتهما الأصالة.

إن التوأمة بين المدينتين ستخدم عدة مجالات ثقافية وسياحية واقتصادية في كلتا المدينتين، وبما أن مهرجان أصيلة المغربية ينشط صيفًا وبعض الأحيان في الخريف، فإننا نقترح أن تقيم مدينة أصيلة العمانية مهرجانها الثقافي في الشتاء، نظرًا لعدة عوامل منها اعتدال الطقس شتاء في المناطق الشمالية لسلطنة عمان، إضافة إلى قلة المهرجانات المشابهة في المنطقة، هذا بالإضافة إلى وجود مقومات طبيعية وحضارية في محافظة جنوب الشرقية مثل مدينة صور المعروفة بالملاحة البحرية، وإحدى المدن المشهورة بصناعة السفن، وكذلك وجود محمية السلاحف في رأس الجنز، وأيضًا جزيرة مصيرة.

إن مبعث مقترحنا هو سعي الحكومة إلى تطبيق اللامركزية في تنمية المحافظات وإدارتها، وهذا شكل حافزًا لنا لطرح الرؤى والمقترحات القابلة للتطوير والمنسجمة مع الخطط الاستراتيجية الوطنية المتعلقة بتطوير المدن، وتنويع مصادر الدخل وتوفير فرص عمل، وتنشيط الحركة الاقتصادية والسياحية في مختلف المدن والمناطق، وأيضًا فرصة للمحافظين والولاة في العمل على تطوير المحافظات والولايات الواقعة تحت مسؤولياتهم المباشرة.

من المؤكد كما أشرنا سابقًا إلى أن بعث مهرجان ثقافي شتوي في مدينة أصيلة، سيخلق منها وجهة سياحية على الساحل الشرقي لسلطنة عمان، ويمكن لأبناء المنطقة الإسهام في المهرجان، عبر تأسيس جمعية أهلية تضع الخطط والأهداف الكفيلة بإنجاح المهرجان، ليصبح أحد المهرجانات العربية المُدرجة على الخارطة الثقافية، ويمكن إنشاء مؤسسة أهلية تتبنى الاستثمار في القطاع الثقافي والإبداعي، وتحظى برعاية من جهاز الاستثمار، أو حتى بعض مؤسسات القطاع الخاص، فالاستثمار في البُنى الأساسية في المدينة مثل المسرح والمكتبة والقاعات المتعددة الأغراض، يحقق مكتسبات تنموية مستدامة، تُمكّن المدينة من استضافة الفعاليات الترفيهية والأنشطة المتنوعة، ويسهم المهرجان في تسويق الصناعات الثقافية المنتجة من البيئة المحلية، مثل الحرف اليدوية والصناعات المرتبطة بها، وتوظيف التراث اللامادي في المهرجان، مثل الفنون البدوية والبحرية والحكايات الشعبية.

لقائل أن يقول إننا نحلم بتوأمة بين مدينتين أصليتين، فإن تحققت الرغبة فتلك الغاية والمنى، وإن حالت الظروف دون ذلك، فيكفي أننا عبّرنا عن حلمنا وأخبرنا عنه، ولربما يتم استثمارها في المستقبل، إذا لم تتوفر في الوقت الحاضر عوامل نجاح الفكرة، فقد كتبت جولي بيرشتاين في كتابها (سبارك، كيف يعمل الإبداع؟) عن أمين مكتبة الكونجرس دانيال بورستين «أن الهاوي المتحمس والعاطفي المتهور قليلًا هو ما نحتاج إلى رعايته في حياتنا المهنية، وبخاصة إذا كنا نطمح إلى الإبداع في العمل الذي نقوم به».

فلا بأس من إطلاق بعض الأفكار العاطفية والمتهورة أحيانًا في عالم يهتم بصناعة المحتوى وتطويره واستثماره، فكم من فكرة تحققت وكانت في الأصل مجرد خيال عابر.