متى نلعب ألعابنا إلكترونيا؟!

03 يناير 2022
03 يناير 2022

مع استحواذ الألعاب الالكترونية على قلوب وعقول الناشئة والشباب في مجتمعاتنا العربية، وتحكُّمها في الأسواق الالكترونية، نطرح أسئلة على أنفسنا عن الألعاب الشعبية التي كنا نمارسها في الصغر، فهل من الممكن أن يمارسها صغارنا أم أنها ستستعصى عليهم؟!. وهل يمكن نقلها من الماضي إلى المستقبل عبر التقنيات التكنولوجية الحديثة؟!، فالهدف من الحفاظ على الألعاب الشعبية ليس لأجل الشغف، وإنما لقيمتها الثقافية وما تمثله من إرث إنساني عميق، توارثته الأجيال، فأضافت له بما يتناسب مع مستواها الثقافي والفكري، وانتقصت منه بما لا تراه ضروريا للبقاء والدوام.

إنَّ الحفاظ على الألعاب الشعبية العُمانية، وإمكانية تحويلها إلى ألعاب إلكترونية عالمية، ستكون إضافة مهمة في عدة مجالات، منها إمكانية تحويل المادة الثقافية إلى منتج تجاري والتكسب منه، إضافة إلى إحياء الموروث الشعبي، وتقديمه إلى أجيال ولدت وترعرعت في ظروف حضارية وبيئات مختلفة عن جيل الآباء والأجداد. ولذلك سيكون لدى الجيل المتعلق شغفًا بالتكنولوجيا الحديثة، فرصة الدخول إلى عالم التسويق الالكتروني، بواسطة تحويل الألعاب الشعبية من ممارستها على أرض الواقع، إلى العالم الافتراضي، وبذلك يتحقق هدف الترويج والتعريف بثقافتنا المحلية، وإبراز العناصر الثقافية العُمانية عربيًا وعالميًا.

لا يهمني الجانب المُسلي في الألعاب فتلك لها هُواتها وعُشاقها، لكن الذي يهمني هو البعد الثقافي المرتبط بتلك للألعاب أثناء أداءها. فمثلا لعبة (الأقات) وهي من الألعاب المفضلة لدي في الطفولة؛ لأسباب عديدة منها جماعية الأداء، إذ يشترك فيها عدة لاعبين، وكلما زاد عدد اللاعبين كلما كانت التسلية أكثر، وإذا شاركنا كبار السن في اللعبة نصل معهم لذروة المتعة. تُلعب الأقات على ملعب ذو أرضية صلبة، تُنصب حجارة في أحد طرفي الملعب، وتسمى الحجارة أو النصب (منبيز)، ويقف اللاعب الذي يدفع قطعة خشبية تسمى (أقات) بالعصا إلى اللاعبين في الطرف المقابل من الملعب، وقبل أن يرفع القطعة في الهواء ويضربها، ينبه الآخرين بكلمة ( بوص)، فإذا ألتقف الفريق المنافس القطعة، يخسر الفريق الواقف عند المنبيز، ويتغير الفريق المدافع إلى فريق المهاجم، أما إذا سقطت (الأقات) فيرميها أحد اللاعبين باتجاه (المنبيز)، وقبل الرمي ينبه اللاعب، اللاعب المدافع بكلمة (عَراك)، فإذا أصابت القطعة المنبيز، يخسر اللاعب المدافع وينتقل اللعب إلى زميله، أما إذا سقطت القطعة بجانب المنبيز، وكانت المسافة بيهما بحدود طول العصا، تُسمى (فقُوه)، وعلى اللاعب ضربها مرة أخرى بالعصا، فإذا لم ينجح في المرة الأولى والثانية، يخسر وينتقل اللعب إلى زميله الآخر، أما إذا رفعها عن الأرض ودفعها بعيدًا، فيمكن له أن يعيد زملائه الخاسرين إلى اللعب، عبر حساب خطوات اللاعب من مكان سقوط الأقات إلى المنبيز، فإذا أكمل عشر خطوات، يرحب بزميله قائلا (مارحي بفلان) أي مرحبًا. وهكذا تستمر اللعبة، التي تُمارس عادة وقت العصر.

إننا نأمل أن يتم توثيق الألعاب الشعبية من قبل الجهات المعنية بالرياضات الشعبية، كأن تقوم الأندية والفرق الرياضية في الولايات، بتسجيل الألعاب في مناطقها، ومن ثم توثيق خطوات اللعب بالصوت والصورة، حتى يتسنى للملتقي الفهم والتمكن من أداء اللعبة، وكذلك بالنسبة لمعلمي مادة الرياضة المدرسية في المدارس، فالمطلوب منهم تكليف الطلبة بممارسة الألعاب الشعبية، المناسبة لأعمار الطلبة وبنياتهم الجسدية. كما نأمل من مؤسسات التعليم العالي إدراج مساق دراسي عن الرياضات الشعبية العُمانية في مناهج التعليم العالي.

إن التنوع الثقافي في السلطنة مصدر ثراء وغِنى، يُمكن استغلاله في الصناعات الإبداعية الثقافية، والموروث الشعبي إذا لم يتم الاستفادة منه ثقافيا واقتصاديا، فلا يمكن له البقاء لانتفاء المنفعة عن ممارسيه.

* محمد الشحري روائي عماني