لا تخف فالطيور على أشكالها

أعتقد أن أكثر ما يفزعنا من فكرة التقاعد هو فقدان التواصل مع الناس سواء زملاء العمل والعملاء أو حتى الجهات التي نتعامل معها بشكل دائم التي تشكل مصدرا من تدفق علاقات جميلة ارتبطنا بها طوال العقود الماضية. أتذكر عندما بدأت رحلة تنمية الذات قرأت عبارة تحذيرية مفادها بأن انتبه وأنت تسلك هذا الطريق، فقد تخسر فيه كثيرين من المحيطين بك، ذلك أنهم لن يتوافقوا مع مرحلة الوعي التي ستصل إليها، كانت العبارة مفزعة بالنسبة لي، ففي حياتي كثير من الأصحاب الذين لا أنوي التخلي عنهم، لكن اكتشفت سبحان الله أن كل مرحلة تأتي بما يناسبها من علاقات، وأن كثير من العلاقات التي كنا متمسكين بها لا تخدمنا في مراحل أخرى، وهي ستنسحب تدريجيا بذاتها دون حتى أن نشعر بها، وسيأتي فوج آخر يتناسب مع المرحلة الحالية.

كنت أفكر بهذا الكلام وأنا أخرج من بيت إحدى الأخوات التي دعتني ومجموعة القراءة التي أنتمي لها على فطور في بيتها، كان تجمع رائعا مع أرواح جميلة تشبهني كثيرا، وعقول واعية، رغم أن كل المجموعات التي أنتمي لها من النساء، لكن لا وجود للأحاديث التافهة في حواراتنا، فأخرج من كل تجمع وأنا أفضل بقليل، تعلمت شيئا لم أعرفه، وعرفت أمرا لم أعرفه قبل ذلك، والأفضل بالنسبة لي هو الضحكة الصافية من القلب التي تستطيع الرفيقات انتزاعها مني.

شاءت الصدفة أن أدعى في اليوم التالي من قبل صديقة عزيزة من ولاية إبراء، مع مجموعة أخرى من صاحبات المرحلة هذه، شعرت بأنني عدت للخلف أعواما عديدة، خاصة وأن طقسا جميلا جادت به سماء السلطنة طوال تلك الرحلة، فمنحتني يوما استثنائيا بكل ما تعني الكلمة من معنى، حتى إبراء التي سبق لي زيارتها قبل ذلك، كشفت لي عن وجه آخر لم أكن أعرفه، فتحولت الزيارة إلى رحلة ثقافية تعليمية، أكثر منها ترفيهية.

أصبحت حياتي بالتالي ممتلئة بعلاقات رائعة واستثنائية تناسب هذه المرحلة من حياتي وتضيف لي، وتشغلني بالجديد الممتع كل يوم، أصبحت أكثر انشغالا مما كنت عليه في فترة العمل، لم أشعر يوما بالفراغ أو الملل أو الوحدة التي كان الجميع يحذرني منها، الحقيقة أنني ولأول مرة في حياتي أشعر بأن قرار التقاعد هو أفضل قرار اتخذته في حياتي، فالعطاء لم ينقطع.

أكتب هذا لكل من ينوي اتخاذ خطوة للتغيير لكنه يخاف (الفقد) من أي نوع، لا تخف فهناك ما هو أفضل بانتظارك دائما.