كيف لمنصات التواصل أن تدفعك للإفلاس؟

06 يونيو 2022
06 يونيو 2022

قبل أيام عرض أحد الشباب العمانيين الطموحين قصة نجاح متجره الإلكتروني، وكيف أحدث نقلة نوعية كبيرة في حياته وحياة أسرته، وقال إنه استطاع من خلال منصات التواصل إيصال موهبته ومنتجاته إلى آلاف الناس مما مكّنه من شراء سيارة ومنزل أحلامه. وشخصيًّا أعتقد أن دور هذه المنصات ثوريٌ بحق، وقد غيَّرت من الطريقة التي يُنجز بها العالم الأعمال، وخلقت عشرات آلاف الأثرياء خلال سنوات قليلة جدًا.

إلا أن هذه المنصات هي الأداة ذاتها التي يمكن أن تسلبنا أموالنا بسهولة فائقة أيضًا وبمحض إرادتنا. مواقع التواصل ليست مجانية؛ فهي تتغذى على وقتك، تتتبع نشاطك وتفضيلاتك والكلمات التي تُكثر استخدامها كبيانات لتُلبسك بعدها المحتوى الإعلاني الأنسب لك والذي غالبًا لن تقاوم في صده كثيرًا. "سناب شات" مثلا يحقق 99 بالمائة من أرباحه عن طريق الإعلانات الموجهة، وقد حصدت مجموعة "فيس بوك" المشغّلة لأغلب هذه المنصات ما يقارب 94.6 مليار دولار من الإعلانات خلال عام 2021 فقط.

إن الخطر الأكبر لا يتمثل في الإعلانات المباشرة، بل بما تفعله الطبيعة التشاركية لهذه المنصات في عقلنا اللاواعي الذي يقوم طوال الوقت بعمليات تجميع بيانات عن البيئة التي تحيط بنا غالبًا ليقينا من أي خطر يتربص بنا، وأيضًا ليقيّم موقعنا في المجتمع الذي نعيش به، ويقارن حياتنا بمَن هم حولنا.

في السابق، أي قبل انتشار هذه المنصات، كانت دائرة المقارنة ضيّقة ومحصورة على العائلة والأصدقاء وزملاء الدراسة والعمل، 80 بالمائة منهم كانوا في نفس مستوانا الاجتماعي والمادي، و5 - 10 بالمائة كانوا أكثر ثراءً وصحة وتأثيرًا، و10 بالمائة أخرى لمَن هم دوننا، وحتى حينها كنا نعمل بجهد لنصبح من النخبة، ونصل لقمة الهرم الاجتماعي. أما اليوم فأصبح الأقران هم الملايين التي تظهر لك حياتهم السعيدة والمثالية طوال الوقت ودون جهد على شاشة هاتفك، ولأننا نقضي ساعات طويلة بمتوسط 2.5 ساعة للفرد العادي وفقًا لمؤشر الويب العالمي، و6 - 9 ساعات وفقًا لأصدقائي، بداخل الشاشات المستطيلة المضيئة التي بين يدينا بات عقلنا اللاواعي المسكين يحسبها البيئة الحقيقية المحيطة بنا، يجمع منها بيانات طوال الوقت، من ثم يضع جميع مَن نراهم "مثاليون" على رأس الهرم الاجتماعي، يقارنك بهم، من ثم يصنّفك في الجزء الأدنى منه، وقد يجاوب هذا تساؤل الناس حول أسباب زيادة القلق الاجتماعي ونوبات الهلع عند المراهقين وحالات الإدمان المتزايدة مؤخرًا.

وهنا يبدأ التأثير الأكبر على توجهك الاستهلاكي، فحين ترى المئات يسافرون لوجهة مميزة ويمكثون في فنادق فارهة تبدأ بالاعتقاد بأن هذا ما يفعله الجميع، وأن الأمر يستحق أن تتخطى ميزانيتك وتضيّق على أهدافك الأخرى لأجله، ويصبح اختيار مركبتك، والمطعم الذي ستتناول منه وجبتك التالية، وخط الموضة الذي تتبعه مبني على ما هو "منتشر" ومتعارف عليه في البيئة المصطنعة الجديدة وليس له أدنى علاقة باحتياجاتك الفعلية!

وفي استطلاع أجرته منصة "هلوم" الأمريكية للبيانات، قال 90 بالمائة من الشباب إن منصات التواصل تخلق مقارنات بينهم وبين أقرانهم، وإن 57 بالمائة منهم باتوا ينفقون أكثر مما تتحمّله ميزانياتهم لمواكبة ما هو رائج.

لا أنوي من خلال كتابتي لهذا المقال أن أجعل تطبيقات التواصل ضمن قائمة الأعداء التي يجب اجتنابهم -ليس كليًّا على الأقل- ولا أن تشن حربًا ضد عقلك اللاواعي الذي يحاول حمايتك من أن تصبح من الأقلية المهمشة في المجتمع، بل لأن تُعير قراراتك المالية انتباهًا أكبر، وأن تنظر للأسباب التي تدفعك للشراء كل مرة، هل هي حاجة أم رغبة في الاندماج، والسبب الثاني ليس سيئًا طالما أنه لم يتحوّل لعادة وضغط نفسي. كما أنصحك باتّباع حمية اجتماعية لأسبوع واحد على الأقل: امسح التطبيقات، خفف من تأثيرها عليك، وتعرّف على نفسك وحاجاتها الحقيقية.