كرم الأخذ

12 فبراير 2023
12 فبراير 2023

طلبت من إحدى قريباتي أن تساعدني في أمر ما، فتفاجأت بردة فعلها، حيث قابلت طلبي بالفرح الشديد وعللت ذلك لكوني لم يسبق أن طلبت منها شيئا قبل ذلك، مرت على هذا الموقف عشر سنوات بالتمام والكمال، ولكن الدرس الذي تعلمته غيّر حياتي بشكل لم أتخيله، أحيانا كل ما نحتاج إليه كلمة أو موقف واحد ليوقظنا من غفلة، أو يعلمنا درسا، أنا فعلًا كنت طوال حياتي أتميز بشخصية مستقلة، ومعتمدة على نفسي ربما بشكل مبالغ فيه، أجد صعوبة في أن أطلب من أحدهم أمرا حتى أقرب الناس لي. تطلب الأمر سنوات طويلة لأستوعب أنني بهذا أخالف أهم السنن الكونية وهي قانون الزوجية الذي سنّه ربي جلّت قدرته، بأن خلق من كل شيء زوجين اثنين، ولا يخرج شيء عن هذه السنن بما فيها العطاء الذي لا بد وأن يقابله أخذ، نحن لا نستطيع أن نعيش بمعزل عن الآخرين، ومن دون الحاجة إليهم، لهذا خلقنا ربي مجتمعات وجماعات وأزواجا.

الأخذ أيضا كما علّمتني تلك المرأة شكل من أشكال العطاء، وقمة البخل أن تحرم الآخرين من هذه المتعة، أدركت ذلك وأنا أرى فرحة تلك المرأة وهي تتلقى طلبي ذاك، منذ ذلك الوقت وأنا أذكّر نفسي ومن حولي بهذه القيمة العظيمة، وهي قيمة الأخذ، التي عليّ الاعتراف بأنها تطلبت مني وقتا طويلا من أجل اكتسابها، لكنها غيّرت حياتي بشكل مذهل، فقد اتسعت دائرة العطاء عندي بشكل كبير، وأصبحت آخذ بأريحية من الآخرين، دون استغلال بالطبع وفقط عند الحاجة.

تحيط بنا دائمًا أرواح معطاءة، سخية، تجد سعادتها في العطاء وفي مد يد العون، وإحجامنا عن الأخذ يحرم هذه الأرواح سعادتها، فلولا الأخذ ما كان العطاء، لا شيء مستثنى من هذه القاعدة، حتى من الهواء الذي نستنشقه مرورا بالطعام الذي نستهلك، هي حركة دائمة سبحان ربي بديع السماوات والأرض، الذي أحسن كل شيء خلقه، وأقصى درجات الشح هي في العمل ضد هذه السنة، والإحجام عن الأخذ، مدعيًا بأنك لست بحاجة للآخرين، لأن هذه أكبر كذبة نكذبها على ذواتنا، بفعل الأنا المتضخمة التي تحرّك هذه السم فينا.

حمدة الشامسية كاتبة عمانية في القضايا الاجتماعية