فعاليات ثقافيّة وجمهور مختلف

28 فبراير 2024
28 فبراير 2024

على مدى سنوات طويلة من اشتغالنا بالعمل الثقافي والصحافة الثقافية، حضرت الكثير من معارض الكتب في عواصم ومدن مختلفة، وتابعتُ الأنشطة الثقافية المصاحبة، التي صارت تشكّل متنا، لا هامشا في معارض الكتب، بحيث إنّ إدارات المعارض تحرص على وضع برامج ثقافيّة تُظهر المعرض بأفضل ما يكون ثقافيّا، من خلال استقطابها رموزا ثقافية، ضيوفا، ومشاركين، وتنفق الكثير من الوقت والجهد للتحضير لهذه الفعاليات، والترويج لها، واللافت لنظري في تلك الفعاليّات أنني كلّما أدخل قاعة تقام بها فعالية من الفعاليات: أمسية شعرية، ندوة فكرية، جلسة حوارية، قراءات قصصية، أرى جمهورا مختلفا، إلّا قليلا، فهو غير الجمهور الذي اعتدنا رؤيته في قاعات المؤسسات التي نتردّد عليها، هذا الجمهور، يمكن أن نقول عنه إنه جمهور من عامّة القرّاء، يمتلك شغفا غير محدود بالمعرفة، والثقافة، يصغي بكلّ جوارحه لكلّ ما يقال على المنصّات، يعرف الكتّاب والأدباء أكثر مما يعرفونه، وغالبا ما يستوقفونهم لتحيّتهم، والتقاط صور تذكاريّة معهم، والتوقيع على مؤلفاتهم، لدرجة أن هذه الأمور تحدث إرباكا خصوصا في القاعات المفتوحة، ووجود هذا الجمهور يحسّسك أنك مقروء، وأن ما تكتبه له قيمة، ولكلماتك صدى، هذا الجمهور تراه يحثّ السير مسرعا متنقلا من فعالية لأخرى لكثرتها، يحمل أكياسا مليئة بالكتب رغم أنه يعرف «أن الكتب لا توقف إطلاق الرصاص ولا تمنع القنابل من الانفجار ولا تغذّي طفلا جائعا، لكنها تغذّي النفوس، وهذا الغذاء جوهري».

كما يقول الروائي بول اوستر: بينما بعض المعنيين بتلك الفعاليات لا يحضرون، وقد وجّه أحد الأكاديميين المتخصصين بالمسرح اللوم على المسرحيين لأنهم لم يحضروا ندوة أقيمت في أحد المعارض كانت مخصّصة لتطوير الحراك المسرحي، ودفعه للأمام، بينما حضرتْ وجوه لم يرها من قبل، تلك الوجوه هي من الجمهور الذي أتحدّث عنه.

ويكون عدد الحاضرين جيّدا، وفي بعض الحالات يغصّ المكان بالحضور خصوصا عندما تكون الفعالية استضافة لشخصية ثقافية أو فنية شهيرة، كما جرى في دورة العام الماضي من معرض مسقط الدولي للكتاب عندما استضافت اللجنة المنظمة للمعرض الكاتب الليبي الكبير إبراهيم الكوني في جلسة حوارية، وكذلك أمسية المطرب سعدون جابر في الجلسة الحوارية التي أدارتها الإعلامية سهى الرقيشية، وجلسات أخرى حقّقت حضورا لافتا.

وكثيرا ما شاهدت من ضمن الحضور عددا من الناشرين العرب الذين تركوا الأجنحة والرفوف الغاصّة بالكتب، واتخذوا أماكنهم من ضمن الحضور، للإصغاء لشاعر معروف، قدموا لسماع شعره، أو مناقشة باحث أو أديب محبّب إليهم، أو سماع آراء كاتب تعجبهم كتاباته، والاستفادة من النقاشات في الندوات الحوارية، أو التي تعقب الجلسات، فتنبّههم إلى فكرة، أو التعرّف إلى اسم غاب عنهم في مطبوعاتهم، فيتبنّون مشروعه الشعري أو السردي، رغم أن هذه الفعاليات تسحب منهم الجمهور الذي يأتي، في الأصل لشراء الكتب، والاطلاع على العناوين الجديدة، واللقاء بالناشرين وتلبية دعوات الأصدقاء المؤلفين الذين يوقّعون على إصداراتهم، لا سيّما أن العناوين بالآلاف، ودور النشر بالمئات، والأجنحة بالعشرات.

هذه الفعاليات جعلت معارض الكتب واجهات ثقافية، وهدفها ليس تجاريا، وأجنحة دور النشر ليست دكاكين لبيع الكتب، وخصوصا إذا كانت تلك الندوات والمحاضرات والأماسي، ثقيلة في ميزان الثقافة، والمعرفة الإنسانية، ونوعيّة.