فرص..
أن تكون هناك فرصة؛ يكون في حكم المتحقق لأي فرد، حيث تظل الفرصة متاحة في مختلف شؤون الحياة، وفي المقابل؛ كذلك؛ بأن الفرصة ذاتها؛ لن تتكرر يكون أيضا في حكم الجزم؛ وأن الإنسان لا يصنع فرصا له خاصة؛ هذا الأمر غير صحيح، وأن الفرص تأتي مصادفة، فذلك يحدث باستمرار، ومن لم يقتنص اللحظة المناسبة لاستغلال فرصة ما متاحة، فإن ذلك عائد إلى تلكؤه وتردده، وقلة ثقة بالنفس، ولذلك فتفويت الفرص- ربما- قد تسبب له جرحا معنويا، يظل سنين يتجرعه، ويتألمه، مع أن هناك فرصا أخرى تأتي يمكن التعويض بها عن فرص ضائعة، ولكن؛ هذا حالنا نظل نقسو على أنفسنا لضياع فرص قد ولت، ولا نعزيها بفرص أخرى متاحة، سواء تأتي مصادفة، أو نوجدها من العدم، فالشعور من هذا النوع؛ من شأنه؛ ليس فقط؛ يضيع استغلال الفرص المتاحة، بل يؤدي إلى تراكم خسائر معنوية مستمرة، قد تتواصل في التأثير على الفرد، فلا يرى في الأفق أي متسع للحياة، وأن الحياة أصبحت كئيبة إلى درجة لا تطاق، فتتحول المشاهد من حولنا على أنها كوابيس ظلام، وأن الظروف لا تساعدنا على المضي قدما لاستحداث طرق بديلة أخرى، يمكن من خلالها أن تفتح نوافذ مشرعة لآفاق أرحب، ورؤى أكثر اتساعا، والإنسان في عموميته لا يعذر في هذا الشأن، حتى لا يظل أسير فرص ضائعة على طول خط حياته، ففي ذلك مهلكة معنوية تتوسع مع مرور الأيام.
يحضر مفهوم «الفرص البديلة» في كل مسارات حيواتنا اليومية، فلا نكاد نحصل على فرصة ما، إلا ونقفز إلى فرصة أخرى نرى فيها أنها بديلة لما هو بين أيدينا من خيارات متعددة؛ في هذه اللحظة، مثال ذلك: أنت جالس في منزلك تقرأ كتابا، أو تتابع برنامجا تلفزيونيا ــ ليس شرطا أن يكو رائعا ــ أو تمارس شيئا من الأعمال المنزلية، فإذا بصديق لك يقرع جرس منزلك لتصحبه إلى وجهة ما، فيساورك شعور فوري بأن في هذا العرض فرصة أفضل؛ وهي بديلة بالطبع لما أنت عليه في تلك اللحظة ــ ولكن قد تكلفك هذه الفرصة المتاحة حاليا مع صديقك شيئا من التكلفة: زمنيا، وماديا، وموقفا محرجا في أمر ما؛ وتأخرك في قراءة كتابك الذي أحببت، وعند عودتك قد يساورك شعور بشيء من الضجر، بأن المشوار الذي اقتطعته من زمنك المتاح لم يأت بما شعرت به عندما تم عرض الفرصة البديلة لك من قبل صديقك.
ومع ذلك؛ فلا نكاد نخسر فرصة ما، إلا وتتاح فرصة أخرى، ولكن تبقى المعضلة أن مجمل الفرص تحتاج إلى شيء من التركيز، وإلى شيء من التأمل، وهذه المسألة تعتمد كثيرا على الأهداف التي يضعها كل منا من إيجاد فرصة بديلة تتجاوز مغبة خسارة فرصة متاحة بين أيدينا في لحظة ما، أو ظرف ما، وبالتالي فإن كان الهدف ماديا مطلقا، فإن خسارة الفرص البديلة تكون أكثر إيلاما على النفس، وإن كان الهدف يتجاوز المادية المطلقة، وبها الكثير من الخيارات الإنسانية، فإن المكاسب تظل متاحة ومستمرة، كما يدخل في هذا الفهم مفهوم «فخ الرفاهية» كأحد المفاهيم المتداخلة مع مفهوم «الفرص البديلة» وهو مفهوم ينقلك من واقع متاح لك، لا يكلفك الكثير من العناء، ولكنك تعيش على قدر متاح، ويذهب بك إلى طموح كبير تتجاوز لتحقيقه إمكانياتك المادية والمعنوية، على اعتبار أنه سوف يحقق لك المزيد من الرفاهية، فيوقعك في مشقة أكبر، وخسارات أكثر إيلاما، وأنت في خضم طموحك هذا تستشعر أنك تخوض معركة الفرص البديلة، وهذا ما يقع فيه كثير من الناس، ولنا في المثل الشعبي البسيط «مد رجولك على قدر لحافك» شيء من الحكمة.
