فخ الماضي وفخ المستقبل كلاهما معًا
كان الشاطئ بانتظارنا لوحده. قال أحدنا، لم يتبقَ لنا شيء، وآخرون قالوا: كان أجدادنا يعيشون بهذه البساطة، هذه كل حياتهم.
كنا نقصد بلا شك، أننا أمام البحر بلا وسيط، لم نشتر تذكرة دخول كما هو الحال في المنتجعات الساحلية، ولم يكن هنالك أكشاك لبيع القهوة أو المثلجات، لم يكن هنالك شيء.
كان الماضي مروعًا، الناس يموتون من الأمراض البسيطة، الحيوانات تلتهم النائمين في العراء، لكنهم امتلكوا البحر أليس كذلك؟ كان لهم جميعًا ذلك البحر، لا أظن بأنهم عرفوا معنى الإقطاعية، كانوا يأكلون من الأرض مباشرة، يستريحون كثيرًا، لا يريدون إثارة إعجاب أحد إلا بالقدر الذي يؤهلهم ليكونوا نبلاء وخيرين.
أريدُ أن أتخيل الإنسان بهذه الطريقة، وفي واقع الأمر أرى بأن حقيقة الإنسان هي هذه الرغبة في العيش بسلام مع الآخرين.
لكننا اليوم لا نموت من الحمى، الأطفال لا يُشلون بمجرد إنجابهم، السُل مسيطر عليه، وهكذا أرواح بين الموقعين في توجس شديد، ترا أيهما كان أفضل للإنسان، ذلك الماضي أم هذا الحاضر؟.
إنه بعد قليل من الوقت سيتمكن من توليد ما لا نتخيله، ربما سنفقد السيطرة عليه، ربما سيكون ذلك الوحش الذي ربيناه لكي يتحرر منا فيأكلنا جميعًا. سيخسر كثير منا وظائفهم، بينما تزداد ثورة الإقطاعيين الجدد، أصحاب هذه الشركات التي طورت هذه الوحوش، أولئك الذين يريدون إقناعنا بأن خسارة وظائف تقليدية، سيصاحبها ظهور وظائف جديدة تناسب هذا الزمن، لكن علينا أن «نشخر» في وجوههم فور سماعنا لذلك.
سيقول لنا أحدهم أو ربما زبانيتهم إننا بالضبط مثل أولئك الذين فزعوا من الثورة الصناعية، أو أولئك الذي رثوا مناجم الفحم مع اكتشاف مصادر أخرى للطاقة.
سنوصم بالتقليدية، لكن ذلك لن يهلكنا بقدر أن نُعرض أنفسنا لاكتشافات أخرى، فتطبيقات الذكاء الاصطناعي التي ستستبدل الأطباء الجراحين أكثر كفاءة، مما يعني أن فرص أحبتنا بالنجاة من الموت أكبر، لن نقول إن فرصنا نحن للنجاة من الموت أكبر، لن يكون هنالك سلطة كبيرة لرجال الدين، ولا للأطباء النفسيين، بدأ هذا بالفعل، هنالك ملايين الآن يستخدمون تطبيقات للفتاوى، آخرون يتحدثون مع أطباء نفسيين من أسرتهم.
نستدرك ذلك الاستسلام بالتفكير فيمن سيمتلكون توليد السرديات سيحتكرون الحقيقة، إسرائيل مثلاً لديها كل الحق في قتل الفلسطينيين، الفلسطينيون باعوا أراضيهم لليهود، العرب مجرد حيوانات بربرية.
السلطات السياسية التي بدأت بالفعل بشراء حصص كبيرة من شركات إنتاج الذكاء الاصطناعي ستزداد هيمنتها، دولة خليجية معروفة قطعت شوطًا في هذا. ولا أحد يعرف ما الذي سينقذنا من هذه الدوامة المدوخة.
لماذا لا نفعل شيئًا بخصوص البشر الذين يموتون جوعًا بينما تلقي سفن ــ بحسب الأسطورة ــ التفاح في البحر، لكي يكون العرض أقل من الطلب فيزداد سعر التفاح؟ لكن هذه الأمثلة الأخيرة أقل وطأة من تلك التي ترتبط بصناعة شيء ما، القنبلة النووية، والآن الذكاء الاصطناعي.
أما أنا ومن هم مثلي من وراء الشاشات نتوسل أي سؤال أخلاقي، أي نقاش حقيقي عما هو الأجدى لصالح البشرية، أي جدل كان، عما إذا كان وضعنا جيدًا في الغابة مع امتلاكنا جميعًا الهواء لنتنفسه، أم القدرة على السفر إلى أقصى مكان في العالم في بضع ساعات.
لكنني أتساءل كيف استطعنا تجاوز ما حدث فترة كورونا، كيف تجاوزنا كل الأسئلة الأخلاقية التي لابد وأن تجعلنا نتباطأ في فعل أي شيء؟ حسنًا إن كانت هذه الأمور مجردة وبعيدة عنا كأناس عاديين، تعايشنا معها وتركناها خلف ظهورنا إذ هي ليست مُلحة اليوم، كيف ننسى أن إيطاليا في الصيف حارة جدا وبينما تسافرُ لها من أقصى الأرض، لن تتمكن من السير على أرصفتها التاريخية، روما التي تغرب الشمس فيها متأخرة، عليك أن تدخل في نافوراتها المائية وسط شوارعها، وإلا ستفطس من حرها، عليهم أن يفكروا بخيارات التكييف، هؤلاء الأوروبيون الذين لم يكتشفوا الشطاف بعد، أما هنا، فمتى آخر مرة أمطرت؟ أي مدينة في الخليج ستسجل أكبر درجة حرارة هذا العام، تُرى ما الذي تفضله من الصيف، الرطوبة أم الجفاف؟
تستخدم هذه الأنظمة مياه التبريد وتستهلك ملايين اللترات من المياه يوميًا في تقرير بلومبرغ Bloomberg عام 2023 شغلت شات جي بي تي - هو بالمناسبة من أبسط وأتفه تطبيقات الذكاء الاصطناعي، الإشارة لذلك مهمة فكثيرون يعتقدون أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي ليست إلا شات جي بي تي- نحو خمسين لترًا من الماء لكل محادثة قصيرة.
تسهم هذه الشركات في تصنيع شرائح إلكترونية بعدد كبير، علينا أن ننسى الصراع عليها خصوصًا بين أمريكا والصين، وتايوان المعلقة بينهما، يتطلب نقل البيانات آلاف الألياف الضوئية المهلكة للأرض.
