فاطمة أعليوات.. فتاة رفعها علمها

31 يوليو 2023
31 يوليو 2023

تبعث الأخبار القادمة من أنحاء المعمورة اليأس والضجر، فجل الأخبار إما تتناول الحروب والدمار أو تُخبر عن الكوارث الطبيعية والحرائق، فتبعث السأم واليأس في النفس، وبعض الأنباء تسر وتولّد أفكارا للمقالات، فمنذ عدة أيام وتزامنا مع إعلان النتائج في شهادات التعليم العام في البلاد العربية، مر عليّ خبر تفوق الطالبة الموريتانية فاطمة أعليوات وتحقيقها المرتبة الأولى على مستوى الجمهورية الموريتانية في شعبة البكالوريا. لكن خبر تفوق الفتاة ليس أي خبر عادي، فالتفوق لم يكن مفروشا بالورد بل بسهر الليالي ومكابدة النفس على التحمل رغم ظروف الأسرة، فالأب من ذوي الاحتياجات الخاصة والأم من ذوي الدخل المحدود، تجاوزت فاطمة كل الظروف المحبطة واعتمدت على الطاقة الكامنة في النفس الساعية لتغيير الحال والمآل.

حين قرأتُ الخبر في الصحف كنت قد فرغت من الاطلاع على كتاب (مستقبل الثقافة في مصر) للدكتور طه حسين (1917-1973) الذي أهداني إياه الصديق الدكتور عماد أبو غازي (1955) وزير الثقافة المصري الأسبق، إذا يُعتبر الكتاب الذي أنجزه صاحبه عام 1938 أول مشروع للسياسة الثقافية في الوطن العربي، وبالعطف على طه حسين تمر ذكرى رحيله الخمسون في شهر أكتوبر القادم، لهذا نأمل من مؤسساتنا الثقافية والإعلامية الاحتفاء بإنتاج المفكر البصير، وتسليط الأضواء على أعماله التي شكلت نبراسا للحداثة والأنوار في الوطن العربي، ففي كتابه المذكور سلفا يشدد على أهمية التعليم، فيقول «لست في حاجة إلى الإطالة في إثبات أن التعليم الأولي والإلزامي ركن أساسي من أركان الحياة الديمقراطية الصحيحة، بل هو ركن أساسي من أركان الحياة الاجتماعية مهما يكن نظام الحكم الذي تخضع له.. فالدولة الديمقراطية ملزمة أن تنشر التعليم الأولي وتقوم عليه لأغراض عدة، أولها أن هذا التعليم الأولي أيسر وسيلة يجب أن تكون في يد الفرد ليستطيع أن يعيش». من هنا نعترف للدكتور طه حسين بدوره الريادي في الدعوة إلى مجانية التعليم وإلزام الدولة به على الأقل في التكوين الأساسي، وهي دعوة سبقت الهيئات والمنظمات الدولية -الأمم المتحدة واليونسكو تأسستا عام 1945م- التي لم تكن موجودة أصلا وقت نشر الكتاب 1938م.

إن فكرة التعليم ليست فك الأبجدية ولا معرفة الحروف والأرقام بل يتعدى ذلك إلى تسريع فهم الإنسان وتوسيع مداركه وتحسين الظروف المادية والاجتماعية للأفراد والجماعات، فمكافحة الفقر والعوز لا تُعالج إلا من خلال التعليم وتمكين الناس من المعرفة والثقافة التي تسهم في دفع الإنسان إلى التفكير في ابتكار الوسائل والأساليب التي من شأنها تغيير الأحوال والظروف الاجتماعية والاقتصادية. ومن خلال الواقع المعاش نجد العديد من الحالات في المجتمع التي تغير وضعها الاقتصادي بعد حصول أفرادها على فرص التعليم، إذن هل نقدر أن نقول إنه توجد علاقة طردية بين التعليم والفقر؟!، الواقع يجيب بنعم، إذ إنه كلما توسعت رقعة التعليم قل الفقر والعكس صحيح. فالأمم التي نهضت وتقدمت لم تتقدم ولم تتطور إلا بالعلوم وتمكين الأفراد من حقوقها في التعليم.

عودة إلى الطالبة فاطمة أعليوات إذ لم تكن الطالبة حديث الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي فحسب بل تحركت المؤسسات الرسمية والأهلية الموريتانية وقدمت المساعدة والمساندة للطالبة التي ستبدأ بعد أسابيع قليلة دراستها الجامعية. وهي أيضا لم تنسَ أهلها ومعلميها فقد وجهت لهم كلمة شكر وثناء على ما بذلوه من جهد ومساندة.

محمد الشحري كاتب وروائي عماني