عبدالعزيز الفارسي.. « فالله معك . الله معك يا أيها الآفل»

11 أبريل 2022
11 أبريل 2022

«أيها الموت الغريب..

أيها الموت الغريب.

ذابت احتمالاتنا كالبوظة في حر الصيف».

(عبد العزيز الفارسي)

وجع الرحيل مؤلم كحد النصل على العروق، كطعم الدم والدموع ولوعة الفقدان، وهل هناك ما هو أقسى من انطفاء شمعة العمر في أوجها، وأفول الروح في قمة عطائها. هكذا نحن نلوذ بكنف الكلمات، كلما باغتتنا الفواجع وأقضت مضاجعنا المواجع، فرحيل الطبيب الطيب والكاتب القاص وقبلهما الإنسان المتوغل في رهافة الإنسانية الدكتور عبدالعزيز الفارسي، لا يعني رحيل فرد بل فقدان عدة شخوص مجسدة في روح شخص، «فسبحان من تفرد بالخلود والبقاء، وكتب على مخلوقات الموت والفناء حتى الملائكة والأنبياء».

تعرفت على الدكتور عبدالعزيز الفارسي في النادي الثقافي، صيف 2001، أثناء مشاركتي في ورشة الكتابة الإبداعية التي نفذها قسم الأنشطة الطلابية بالمديرية العامة لكليات التربية، وأشرف عليها الدكتور خليل الشيخ المحاضر وقتها بجامعة السلطان قابوس، وكان قسم الأنشطة الطلابية وقتها يديره الكاتب والقاص يحيى سلام المنذري. في تلك الورشة تعرفت أنا القادم من الجنوب على العديد من الزملاء الذين سطروا بأقلامهم فيما بعد أعمدة الصحف والمجموعات القصصية منهم، حمود الشكيلي، وعاصم الشيدي، ونبهان الحنشي، وآخرون انسلوا من مساحة الذاكرة.

في إحدى الجلسات حضر معنا الدكتور عبدالعزيز والدكتور حسين العبري والكاتبة بشرى خلفان، وتحدثوا عن الفن القصصي وتجربتهم في الكتابة، ثم التقيت به بعد ذلك بأيام قليلة أثناء استضافة النادي الثقافي للكاتب محمد القرمطي صاحب المجموعة القصصية ساعة الرحيل الملتهبة، ومن هناك ذهبنا معا بمعية الكاتب الأستاذ أحمد الفلاحي إلى مطعم الأوتوماتيك في الخوير، في ضيافة أحمد الفلاحي كالعادة. كان الدكتور عبدالعزيز محط إعجاب الحضور، وكنت أحدهم، وأسرتني لغته الأدبية التي يكتب بها، وأسلوبه القصصي. كانت قصته أين من عانق الغريب وهاجر، تسكنني لسبب لا أعرفه، منذ نشرها في ملحق عُمان الثقافي.

إن الموت هو اللقاء الحتمي الذي ينتظرنا في نهاية الدرب، هذا اليقين عبر عنه الكاتب المرحوم عبدالعزيز في أكثر من قصة، خاصة في مجموعته (العابرون فوق شظاياهم)، التي اقتبسنا منها العديد من الثيمات، ففي قصته (نامي.. ليستيقظ الدمعُ ويحكي!) «سيدي الموت: إن جئت على غفلة فمرحبا بك، وإن استأذنت بمرض عُضال فعلى الرحب والسعة. لن أردك. لا حبا، ولكن رغبةً في معرفة المُطلق».

وكتب أيضا في المجموعة نفسها، «ما يفعل الموت بنا؟! لا شيء لا شيء». وفي قصة أحاسيس متقاطعة كتب: «قلتُ معزيا نفسي: رحمة الله عليك، كنت صديقا قُدّ من وفاء. لم أعِ سببا لتماسكي، رحت أسأل: لو سبقته بالموت، أكان يفعل مثلي».

إن الحياة عبارة عن عربة قطار في آخر الليل لابد أن تتوقف في مكان ما. لذا علينا الاستعداد للنزول في أي محطة حينما يحين موعدنا مع القدر، وليس مهما لحظة التوقف أو أجواء الاحتفاء والاحتفال، بل الأهم ماذا فعلنا في رحلتنا أثناء عبورنا للزمان والمكان.

ماذا يمكننا أن نُقدم للكاتب الراحل؟!، فالكلمات وحدها لا تكفي، لذا لابد من التفكير معا فيما يمكن تقديمه لذكرى الطبيب الكاتب، فإطلاق جائزة في القصة القصيرة تحمل اسمه، سيُخفف عنا وطأة الملامة، أو تسمية إحدى القاعات باسمه سواء في الجامعة أو في المستشفى الذي يعمل به. وذلك لأجل أن يبقى عبد العزيز الفارسي بيننا. صحيح أن الكتابة كأثر خالد تُبقي وتُخلد صاحبها، ولكن توجد طرق أخرى يتذكر بها الأحياء أحباءهم. هنا نردد ما كتبه الكاتب الراحل في قصته أحاسيس متقاطعة، « اعتقدتُ أن هنا نهاية القصة، لكن..».

* «العبارة أعلاه من قصته في نخلة واحدة في أرض شاسعة.. نخلة وحيدة، من المجموعة القصصية «العابرون فوق شظاياهم».