ضدية..

10 أكتوبر 2025
10 أكتوبر 2025

تمثل الضدية المحطة الأولى التي ينطلق منها تقييم العلاقات بين الناس، وهل هي علاقات سوية سهلة، أو يكتنفها شيء من التعقيد، وهي لا تخرج عن الشعور بأننا الوحيدون الذين نسير في الاتجاه الصحيح، وأن الآخرين من حولنا يسيرون في الاتجاه المعاكس «من لم يكن معي فهو ضدي» وهي لا تخرج كثيرا عن مفهوم «النرجسية» فهذا النوع من المواقف هو إشكالية موضوعية في مجمل العلاقات الإنسانية، سواء كانت العاطفية «الاجتماعية» أو سوى تلك العلاقات القائمة على أداء المصالح المختلفة، سواء مصالح شخصية، أو مصالح عامة، ويعاد تصنيف الـ«ضدية» إلى عدة أسباب: قد تكون فطرية «خليفة ذاتية» وقد تكون تربوية، وقد تكون البيئة النفسية لذات الفرد طاردة لوعي الذات -أي لا تتقبل الآخر بأي حال من الأحوال- وقد تكون منفعية «مصالح» وهذه الأخيرة قد تكون لفترة زمنية مؤقتة، تنتهي بانتهاء المنفعة؛ وحتى تتشكل هذه الضدية وتتضح مساراتها؛ قد تحتاج إلى مستوى معين من تجربة الحياة، وإن كنا نعايشها في سلوكيات الأطفال في كثير من المواقف، ولكن ما يميز ضدية الأطفال أنها فطرية ولا تتسم بمواقف يقرأ منها وضوح الأهداف وغاياتها، وإنما هو انفعال وقتي لا يلبث أن يزول سواء بالطيب أو بالعنف أحيانا، وتنتهي قصتها بعد ذلك، بعكس الكبار، وفي كل الأحوال هذه صور للحالات التي تتسيد فيها الأنانية المطلقة، وأصفها بـ«المطلقة» لأنها لا تترك هامشا نسبيا للمناورة؛ حيث تذهب إلى القبول المطلق، أو الرفض المطلق.

وهذه الإشكالية لا يربكها تراكم الوعي المعرفي، ولا التموضعات الاجتماعية المختلفة -قرابة، صداقة، اتفاقات الحاضنة الاجتماعية- كل ذلك ليس له تأثير بصورة مباشرة، وإنما يمضي صاحبها نحو الغايات التي يود الوصول إليها، ومن ثم؛ ربما، قد يعود إلى شيء من التصالح مع الآخرين، بشرط ألا يؤثر ذلك على مستوى القناعة التي عليها، إلى درجة أن لو شعر بشيء من التأثير، سرعان ما يعود إلى المربع الأول الذي انطلق منه لبسط قناعاته على الآخرين من حوله، فهو في معركة جدلية مستمرة، لا يؤمن بـ«استراحة محارب» بقدر ما يرى في أي استراحة تمكينا أكثر فاعلية لما يعزز من قناعاته، ويراكم من مكتسباته، ويبقيه عند مستوى معين يحقق له مجموعة من الإشباعات العاطفية التي ترضي غروره.

تذهب الفكرة هنا أكثر إلى خطورة النتائج المترتبة على مثل هذه المواقف المتصلبة، وهي -بالتأكيد- نتائج سلبية أكثر منها إيجابية، فالانتصار للذات -غالبا - ما يؤدي إلى نتائج لا تخدم الصالح العام، بل تتموضع عند المصالح الذاتية أو الفئوية لذات الشخص، ولذلك يفترض أن تكون هناك قراءات فسيولوجية خاصة للذين يتقلدون مناصب عليا سواء في بيات العمل، أو البيئات الاجتماعية، وأهمية ذلك ألا تستحوذ فئة صغيرة في هذه البيئات على المصالح التي تخدم العامة، وتقوض من مسارات الجهد العام، وتنهي شيئا فشيئا مجموعة من المبادرات والتوافقات، والتكامل التي يبديها الأعضاء في المجموعة الواحدة، سواء مجموعات بيئات العمل، أو البيئات الاجتماعية، ومن هنا فالذين يتساءلون عن مجموعة العراقيل التي تنشأ هنا أو هناك في هذه البيئات على اختلافها عليهم أن يبحثوا في الزوايا الصغيرة عن مثل هؤلاء الأشخاص «المعرقلون» لتنفيذ المشاريع الحيوية التي تخدم الناس في مختلف شؤون الحياة، حتى على مستوى الأسرة الواحدة في بعض الأحيان.

السؤال هنا أيضا: هل يتعايش الناس مع مثل هذا النوع من الشخصيات في المجتمع؟ والجواب نعم؛ ومجموعة الصراعات التي تنشأ بين الأفراد في هذه البيئات هي نتيجة حتمية لهذا التعايش، لأنه من باب المستحيل أن يقصى هؤلاء الضديون من أي حاضنة كانت؛ سواء حاضنة اجتماعية، أو حاضنة إدارية.