شواهين عمانية
من أخطر الأشياء على أي مجتمع أن يتبنى الفرد فيه فكرة أن مجتمعا سيئا ومتخلفا عن الركب وأنه يمشي من ظلام إلى أظلم، ذلك أن هذه النية تؤثر على الوعي الجمعي، بالتالي كلما زادت حدة هذه النية كلما زادت فرصة تجسدها كواقع، ويكفي لتدمير أي مجتمع أن تدخل في وعيه فكرة أنه سيء وضعيف وسهل هزيمته وأنه غير منتج، فأنت بذلك تكسر فيه صورته الذاتية، وتهز هويته، والعكس صحيح إن أردت رفع إنتاجية الفرد ورفع ثقته بنفسه عزز فيه الهوية، وهذا إنما يتم عن طريق نشر الأخبار الإيجابية، والحديث المستمر عن المنجزات.
لكن للأسف عقولنا تعودت التركيز على السلبيات، وتبنت الحزن والألم وكأنه جزء من واقعنا، وهنا تكمن الخطورة فلا يمكن للإنسان أن ينجز وهو مسكون بالإحباط، لن يستطيع الفرد بهذه البرمجة أن يذهب لعمله كل صباح مبتهجا متفائلا، بذهن صاف خلاق ومبدع يمكنه التطوير والإبداع، وبالتالي خلق منتجات جديدة وخدمات متطورة، لكن يستطيع الإنسان أن يعطي من قلبه عندما يشعر بأن ما يقوم به هو إضافة، لذا نقول إن الإيجابية ليست حالة غير واقعية هي ضرورة.
هذا كان ملخص الفيديو الذي انتشر للكويتية رهام الرشيدي مخاطبة به أبناء مجتمعها، لكنني شعرت بأنه يخاطبنا جميعا، وأنه جاء في الوقت المناسب تماما، وعمان تشد الهمم من أجل استعادة الحياة فيها.
الفترة الماضية أيضا انتشر مقال لصحفي كويتي يدعو فيه العمانيين بعدم العمل بصمت، وهو أمر معروف عنا، لكن للأسف الشديد ففي ظل انفتاح الشباب العماني على العالم من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، جعله في مقارنة دائمة بين ما يراه حوله وما يعيشه كواقع، أضف إلى ذلك الهجوم الشرس على معنويات شبابنا من خلال اتهامهم بأنهم لا يملكون المهارات والكفاءات التي تؤهلهم لشغل كثير من المناصب، هذا الهجوم قد يكون المقصود منه الإصلاح لكنه يكسر همة ثروة هذا الوطن الأهم والأغلى على الإطلاق.
سبحان الله، شاءت إرادة الله أن يضع هذا الشباب في أكبر وأهم اختبار في حياته، اختبار يتجاوز كل المقابلات الشخصية، وكل امتحانات التوظيف التي خضع لها، امتحان تطبيقي في الميدان، عندما عصفت الأنواء المناخية بالبلاد هب هبة رجل واحد من أقصى عمان إلى أقصاها، مضحيا بعمره ووقته وكل ما يملك لإعادة بناء البلاد.
أتمنى من كل قلبي أن نستثمر هذه التجربة أسرا وحكومة، لنبقي هذه التجربة حية في قلوب الشباب، لنؤكد له بأنه قادر على صنع المعجزات، والتوقف عن ترديد أحكام لم ينزل الله بها من سلطان على قدرة الشباب العماني على العمل في كل مجال عندما تتاح له الفرصة.
