حقوق الطفل بين الحماية والإساءة

26 سبتمبر 2022
26 سبتمبر 2022

اكتسبت من المجال الحقوقي الذي نشطت فيه بشكل فردي ومستقل فوائد عظيمة متمثلة في الثقافة الحقوقية والإذعان للقوانين واحترامها، لذلك دعوت ولا زلت أدعو إلى المزيد من نشر الثقافة الحقوقية بين شرائح المجتمع وخاصة النشطاء في وسائل التواصل الاجتماعي، لأننا نكتشف في كل حادثة أن الأشخاص الذين من المفترض بهم تطبيق القوانين في حياتهم العملية والشخصية، هم أكثر الناس تخلفا بل ويكادون لا يفقهون شيئا في هذا الشأن.

فحين يتم تصوير الأطفال وهم في أوضاع حرجة أو غير مناسبة، يمثل الفعل اعتداء على حقوق الأطفال الذين تكفلت الدولة بحمايتهم وتوفير كافة سبل الراحة لهم، فخلال الأسبوع الماضي أُحضِر رضيع إلى مستشفى السلطان قابوس بصلالة لعلاجه من آثار حرق، وحين لاحظ الطبيب أن الآثار غير طبيعية تواصل مع الجهات المختصة، وهنا يتوجب توجيه الشكر والثناء للطبيب على نباهته وإنقاذ حياة الرضيع الذي تعرض لسوء معاملة من قبل أسرته، ولا نريد الخوض في التفاصيل كون القضية لا تزال بين أيدي الجهات المختصة والتي ستعلن عن التفاصيل فور انتهاء التحقيقات، وفي السياق ذاته لابد من الإشادة بدور المديرية العامة للتنمية الاجتماعية بمحافظة ظفار، على اهتمامها بالقضية فور تلقي الخبر وإحاطة الرضيع بالرعاية والحماية والاهتمام.

استنكر الرأي العام الحالة المذكورة وأدان الفعلة الشنيعة التي لا تقبلها الإنسانية ولا الشرائع الدينية ولا أخلاق المجتمع الذي عبّر عن ذلك في وسائل التواصل، ومن الطبيعي أن ترد بعض التعليقات المستهجنة من الرأي العام، إذ تعرض رضيع إلى اعتداء من ذويه بالحرق والكي، ولأننا لا نمتلك المعطيات التي نبني عليها إجابات لما حدث، إلا أن الحادثة تُعلن عن تحول خطير في المجتمع - وإن كانت الحادثة حالة معزولة- سواء كان الأمر نتيجة لأمراض نفسية، أو نوع من السادية ينتشر في الزوايا المظلمة لدى فئات اجتماعية مُعينة. لذلك فإن المؤسسات الرسمية والأهلية والمدنية تتحمل جزءا من المسؤولية تجاه ما يحدث، سواء بتخفيف الضغوطات المادية والمعنوية عن كاهل بعض الأسر التي تُعاني من ضائقة مالية، أو تحتاج إلى رعاية صحية ونفسية حتى تقوم بمسؤولية التنشئة والتربية السليمتين تجاه أبنائها، وهذا الأمر يحتاج إلى تكاتف الجميع من أفراد ومؤسسات وحتى تشريعات، إذ لابد من نشر ثقافة حقوق الطفل، وتغليظ العقوبة لمن يسيء معاملة الأطفال.

إن الأمر الذي استوقفني لكتابة هذه الأسطر هو قيام أحد أفراد المنضوين تحت مظلة مبادرة اجتماعية، بزيارة الرضيع وتصويره في المستشفى، وإن كان الأمر لا يخلو من حسن النوايا تجاه الرضيع، إلا أن تصويره ونشر صوره يمثل انتهاكا لحقوقه، وهذا ما يذكرني بحادثة أخرى جرت سنة 2014 في مسقط، حينما نشرت إحدى عضوات اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان صورتها مع الطفل الذي عُثر عليه في حديقة ريام، وقد كتبنا مقالا ونشرناه في جريدة عمان تحت عنوان (سلفي وحقوق الإنسان).

إن تكرار تصوير الأطفال الضحايا يدل على ضعف الثقافة الحقوقية وانعدامها لدى البعض من نشطاء التواصل الاجتماعي، لأن الطفل لا يعي حقوقه وواجباته، وكان من المفترض ممن ينتمي إلى مؤسسة رسمية أو مدنية أن يكون مطلعا على حقوق الطفل.

كان بالإمكان تقديم الهدايا للطفل دون تصويره أو زيارته دون ضجيج، ومن ثم تقديم النصح والإرشاد للأسر لحماية أطفالهم من سوء المعاملة، لكن الحماس المفرط يقود صاحبه أحيانا إلى اللاجدوى.

إن على اللجنة العُمانية لحقوق الإنسان تكثيف نشر ثقافة الحقوق والواجبات وخاصة لنشطاء وسائل التواصل الاجتماعي كونهم على تماس مع فئات المجتمع ويسعون إلى جذب انتباه الجماهير.