بين مزدوجين.. «...»

29 مارس 2024
29 مارس 2024

تذهب المقاربة هنا في شأن الـ«مزدوجين» إلى كثير من الاستخدامات؛ وأغلبها في الكتابة؛ قد تكون هذه الاستخدامات في هذا الجانب للاقتباسات المختلفة لأقوال الآخرين، وقد تكون لنصوص إما قرآنية كريمة، أو لحكم وأمثال ذاهبة إلى التدليل ومعززة لما يطرحه كاتب الموضوع في فكرة معينة، ويريد أن يقنع الآخرين بحقيقة ما يكتب، مدعما ذلك بالأدلة القولية، وهذه كلها في حكم المعتاد والمتداول بين الناس، بل هي من أساسيات الكتابة، وتعكس مدى الثروة المعلوماتية التي يختزنها كاتب الموضوع، أو أنه لا يتحدث من فراغ، والدليل ما تتضمنه العبارات والجمل الموجودة بين المزدوجين، وإن كان البعض لا يحبذ كثيرا الاستخدام المفرط للمزدوجين، خاصة في الموضوعات القصيرة، حيث يعد ذلك عيبا من عيوب الكاتب الذي يفترض أن يكون متمكنا في مناقشة فكرته أكثر من اعتماده على ما ينقله للاستدلال؛ وهذه الصورة هي في حكم المعتاد في استخدام المزدوجين، ولكن الصورة ذاتها تذهب بعيدا إلى حيث المعاني الضمنية للاستخدام، وذلك عندما لا يريد المتحدث؛ وهنا عندما يكون الحديث مباشرا؛ أن يفصح عن حقيقة ما من حقائق ما يتحدث عنه، فيضيف في حديثه مشيرا بيديه إلى معنى المزودجين، فالنقد اللاذع -على سبيل المثال- ربما لا يحتمله المنقود، فلا يصرح به المتحدث فيقول: «بين مزدوجين» وعلى السامع أن يستنتج ما بين هذين المزدوجين الذي أشار إليهما المتحدث، وقد تتعقد المسألة أكثر من ذلك عندما يشار إلى أمر ما، أو شخصية ما، أو مكان ما، أو نظام ما، أو هيئة ما، بكثير من النقد القاسي، وقد يصل في حالات استثنائية إلى السب والشتم، عبر إشارات ضمنية تفصح المساحة المتاحة بين المزدوجين، وقد يضيف أحدهم عبارة «استغفر الله» في إشارة إلى شدة اللفظ، أو المعنى الذي يشير إليه، فالمزدوجان؛ في هذه الحالة؛ تلعب دور الوسيط بين الطرفين، وهو؛ بلا شك؛ دور خطير، وقد يكون مخرجا للقائل أو للكاتب، وفق معنى أنه لا يعمم الحكم باستخدام المزدوجين، ولست متأكدا إن كان في ذلك منفذا قانونيا من عدمه.

وبهذه الوظيفة؛ لإشارة المزدوجين، تتحرر من استخدامات الكتابة فقط، إلى معان ضمنية كثيرة في الحياة، ويجد فيها الآخر المتنفس للذي يود قوله؛ أو على الأقل الإفصاح عنه؛ بطريقة غير مباشرة، فيعفي نفسه عن مغبة الوقوع في مصيدة التهجم على الآخر بصورة مباشرة، حيث تكفي الإشارة الضمنية، وإن لم يصرح بها، فقد يعي المتلقي ما يود إيصاله المتحدث في تلك اللحظة، والصورة برمتها لا تخرج عن المعنى العام لصورة «خائنة الأعين» وهي الصورة التي تذهب إلى المناورة أو التلصص على عيوب الآخرين، والتي عَظَّمَ القرآنُ الكريم دورها بوصفها بـ«خائنة» وهو وصف ترتعد منه النفس السليمة، وإن لم تعه النفس الموسومة بالسوء، والعياذ بالله.

فـ «المزدوجان» هي مجموعة مخاتلات تتوارى خلفها الأنفس عن المصادمة المباشرة مع الطرف الآخر، ولأنها كذلك وفق هذا السياق المطروح، فإنها تظل كثيرة الاستخدام في كثير من المواقف، أعلن عنها بصورة مباشرة؛ كحركة بالأيدي؛ أو ذكرت في سياق الحديث، وذكرها؛ يقينا؛ لن يكون عرضيا، حيث يحدث ذلك مع سبق الإصرار والترصد، فالمتحدث يعي ما يقول، وما يشير إليه، وهنا المعنى «ليس في بطن الشاعر» وإنما يفصح عنه بصورة مباشرة، وإن كبل بـ«المزدوجين».