باربي
مع اقتراب عرض فيلم «باربي» المنتظر هذا العام، والذي تأخر موعد عرضه إلى نهاية أغسطس الحالي، إلا أن الموجة التي صاحبت هذا الفيلم مستمرة بشكل منقطع النظير. حتى أن كثيرًا من المهتمّين بالتسويق يدرسون حاليًّا خطة تسويق فيلم باربي وسر نجاحها. إن أي مشوار في مقاهي مسقط أو مجمعاتها التجارية سيخبرك أن تأثير الحملة طال الجميع؛ فالنساء يتوشحن باللون الوردي، والعلامات التجارية على اختلافها تبيع منتجات وردية تضمن لنا تحقيق مقاربتنا الخاصة عن «باربي».
ومع كمّ المراجعات التي بدأت تتدفق منذ عرض الفيلم في دور الأفلام العالمية، نستطيع أن نقرأ منها كيف أن باربي اليوم أيضًا حساسة للصوابية السياسية، كما أنها تجسد صورة المرأة كما هي عليه اليوم، ليست الساذجة والغبية والمكتفية بجمالها وتابعيتها للرجل ورغبتها في الحصول على الموافقة منه. إلا أن مقالة الأسبوع على نيويوركر مع كل هذه المقالات لفتت انتباهي على نحو خاص، كتبته ليزلي جاميسون وعنوانه «لماذا توجب عليّ معاقبة باربي».
تبدأ جاميسون الإشارة إلى أنها وفي طفولتها ورطتْ باربي كثيرًا، كانت قد أجرت لدمى باربي عمليات جراحية، ألصقتهن في أبعد نقطة داخل خزانة الملابس وحرمت باربي من طعامها البلاستيكي، حتى تقوم هي بإنقاذها مرة أخرى وإعادتها إلى منزلها البلاستيكي. وهذا ما خبرته معظم الفتيات مع هذه الدمية. ربما يكون هذا مبررًا بالنظر لطبيعة الطفل والتربية التي يتلقاها، وقوة الرفض الغاشمة من الأبوين. لكن هنالك ما ميّز باربي على نحو خاص: كمالها. لذا احتاجت دومًا لنوع خاص من الجراحة فلماذا قد تحتضر وهي لا تشوبها شائبة؟ كان لا بد من وجود خطأ في مكان ما إذن. تقول جاميسون إنها أرادت أن تشفيها لكنها في الوقت نفسه احتاجت منها أن تكون مريضة! أرادت أن تصبح باربي وأن تدمرها، كانت ترغب في كمالها، لكنها عاقبتها لكونها أكثر كمالا مما ستكون عليه في أي وقت.
تؤكد جاميسون أن الأمر لا يتعلق برغبتها في أن تكون باربي بالمعنى الحرفي، لكنها كانت تريد الهالة التي تحيط بباربي، الجمال كنوع من الضمان، كأن الفتاة تتلقى إن كانت جميلة شيكًا موقعًا على بياض، سهولة تعريف الذات أو إلغاؤها بمجرد أن تكون الفتاة بيضاء وثرية، كانت جاميسون تتوق لهذا، تقبض على نفسها أحيانًا وهي ما زالت تفكّر بالطريقة نفسها اليوم حتى مع وعيها باستحالة أن يحدث ذلك.
عندما كبُرت جاميسون وتعرَّضت للنماذج الشعبية للفتيات اللاتي تدرس قصصهن في المدرسة، كانت تحمل لهن هذا الطابع المزدوج من العشق والاستياء، إذ كن في الغالب خارقات للطبيعة - أكبر من الحياة نفسها. وعندما اقتربت من الفتيات الجميلات والمشهورات في المدرسة، تمنّت أن يكن غبيات بطريقة ما! فهذه هي الصورة الذهنية عنهن، إنهن بائسات وميؤوس منهن وبلا أخلاق، لكن سرعان ما انهار ذلك كله، عندما اصطدمت جاميسون بحقيقة أنهن متفوقات بالتأكيد وأن هذا أول ما يمكن إدراكه بشأنهن.
فهمت جاميسون كيف أن باربي هي مجرد اسم لمشروع يستمر مدى الحياة لمعاقبة الذات بمقارنتها مع الكمال المتخيل للآخرين. أدركت أن ذلك التخريب الذي مارسته على دميتها الخاصة، يتعلق بالرغبة في ممارسة نوع من القوة والسلطة على تلك النماذج الكاملة التي استبدتْ بها. فإن لم أستطع أن أكون هي، ربما يمكنني أن أكون الآلهة الخاصة بها، لكنها ذلك النوع المحب والعطوف من الآلهة. إن العلاقة الحميمة بيننا وبين ما نملك من أشياء ليست بسيطة، بل معقدة فهي لا تعني العشق المطلق، دائما ما نكون مع الأشياء التي نحب في حالة من المقاومة والاستياء. وهذا بالضبط ما تقدمه باربي، الرغبة في الشيء والرغبة في تدميره أيضًا. الرغبة في أن تصبح نموذجًا معينًا، وأن تكره في الوقت نفسه رغبتك في أن تكون ذلك النموذج.
هذه هي القاعدة الأهم التي اعتمدتها الحملة التسويقية الكبيرة لفيلم باربي، استغلال جاذبية الرغبة في تدمير باربي. فشعار الفيلم «إذا كنت تحب باربي، فهذا الفيلم يناسبك، إذا كنت تكره باربي فهذا الفيلم من أجلك».
أتاحت لي جاميسون التفكير في «باربي» كأسطورة في حياتنا اليومية، وما الذي عنته بالنسبة لي كطفلة. أنا لم أحصل على باربي قط، في البداية لأننا كنا فقراء ولا يمكننا تبديد المال على هذه الأشياء، وفيما بعد لأنها تصوير للإنسان وهذا محرّم. لقد كانت باربي بالنسبة لي علامة على التفاوت الطبقي، يكفي أن تمتلك باربي لأتخيل في أي مكان تعيش، وفي أي نوع من العائلات نشأت، ما تتناوله على وجبة الإفطار، ونوع النزهات التي تقوم بها في إجازة الأسبوع. لكنني أيضًا ومثل الكثير من فتيات جيلي، سنصطدم مع مرور الوقت باعتبارات أكثر سطوة من هذه التي ذكرتها أعلاه. إن باربي هي أولى علامات مواجهتنا للإمبريالية الغربية، وأن نكون للمرة الأولى ربما جزءًا أصيلًا في هذه المعركة ومواجهتها.
وبسبب الخوف من هذا النموذج القادم من الغرب والذي ينطوي على مؤامرة لتغريب الفتيات الصغيرات ظهر النموذج الموازي لباربي، إنها «فُلة» التي سرعان ما أصبحت ملصقًا على كل أنواع المنتجات بداية من الملابس وصولًا لمجلات الأطفال المصورة. فُلة خاصتنا هي باربي تمامًا، بيضاء أيضًا وجميلة وكاملة، إلا أنها محجبة وترتدي «العباية» وتغني أحيانًا «يا مكة يا مكة يا هوى العيانا».
ربما لم أدرك حينها هذه الفكرة، لأنني لم أمتلك «فُلة» أيضًا. وكانت هي العلامة ذاتها على ذلك التفاوت الطبقي الذي أكدته «باربي» من قبل، إن هذا جدير بالتأمّل أليس كذلك؟!
بعدها بسنين قليلة، ستكون كل من فُلة وباربي سمراوين أحيانًا، سوداوين، بشعر داكن أحيانًا وغامق أحيانًا أخرى، إنها لعبة الرأسمالية التي تخدعنا في أنها يمكن أن تكون عادلة وممثلة للجميع، وأننا ولا بد سنجد ذواتنا هناك، فيما تمليه علينا ونشتريه بلا تردد.
