الميثولوجيا التي علمتنا

14 مارس 2022
14 مارس 2022

أسهمت الأساطير والمعتقدات في تشكيل الوعي البشري منذ القِدم، وكوّنت في الحيز الذهني للإنسانية مكانة، وأوجدت نظاما تربويا، وتعليميا لدى الشعوب المرتبطة بالطبيعة، خاصة الرعاة والمزارعين والصيادين، ولم تستطع الشعوب التخلص من هيمنة الميثولوجيا إلا بدخول الأيديولوجيا إلى حياة الإنسان، عبر نظم دينية أو سياسية، واستمر الصراع طويلا بين الميثولوجيا من جهة، والأيديولوجيا من جهة أخرى، إلى أن حسم العلم الصراع الدائر، كانت الأساطير والمعتقدات هي الخاسرة نظرا لكونها أولى عتبات تطور العقل البشري.

لا أنكر مطلقا أن طفولتي شكلتها المعتقدات والأساطير والقصص، وإن كانت المعتقدات هي المهيمنة والمسيطرة على التنشئة والسلوك، فكل فعل نُنهى عنه يحكمه ناموس متوارث، لا يتم مناقشته أو حتى مجرد التفكير فيه، لأن الناموس ذاته يُحاط بغلاف شفاف من الخوف واللعنات، تُصيب المعتدي على المحاذير أو هاتك معتقدات الأسلاف. وقد ينال المعتدي العقاب على نتيجة أفعاله بشكل مباشر أو تنزل المصيبة على إحدى ممتلكاته، بل أن بعض المحاذير تتخطى الفرد إلى دائرة الجماعة التي تحرص على اتباع الطرق والأساليب الملائمة لطقوس المعتقدات.

تكمن القيمة الثقافية للميثولوجيا في بعدها الإنساني، ومدى انتشارها في بقاع الأرض، ومشاركة الآخرين لها، فبعض المعتقدات والأساطير كونية، وإن كانت تختلف بعض المسميات أو طريقة سردها، ولكن أهدافها تكون متشابهة إن لم تتطابق كليا، وفي هذه الحالة نشعر بالزهو وما يعنيه المشترك الإنساني من أثر وقيمة، فعلى سبيل المثال، يوجد في ظفار معتقد بإخفاء الشعر المقصوص، لأن تركه متناثرا على التربة، وعلى الطرق وتعرضه للدوس، يؤدي إلى إصابة صاحب الشعر بالصداع والأوجاع، وهناك معتقد آخر يعني بالحفاظ على قلامة الأظافر، فإذا قلّم الفرد أظافره يتوجب عليه جمعها ودفنها، وإن لم يفعل ذلك يعود إلى الدنيا بعد الممات ويبحث عن أظافره.

أثارت هذه المعتقدات سخريتنا حينما لم نجد لها أثرا في الثقافة العربية، بل كانت مادة للتندر، ولكن مع المطالعات وجدنا أننا لم نكن على صواب، بل أن الإنسان القديم المسكون بالسحر خوفا ورعبا، أوجد لنفسه طريقة في الحفاظ على نفسه من تأثير الآخرين، ففي كتاب ( الغصن الذهبي) لجيمس فرايزر، يذكر أن الشعر والأظافر يحظيان بهالة من الأهمية لدى الشعوب القديمة، لذلك فإن التخلص منهما لابد وأن تتم بطريقة آمنة تمنع وقوعها في أيدي الخصوم، "ففكرة تطبيق السحر على قصاصات الشعر وقلامات الأظافر أو شيء منفصل عن الجسم منتشرة في جميع أنحاء العالم". وهناك أيضا الكثير من المعتقدات المشتركة تتعلق بالمناخ وتكون السحب، أو الأشجار وما تمثله من قيمة لدى الرعاة والمزارعين على وجه التحديد، وقد بقيت الميثولوجيا حاضرة في القرى وفي المجتمعات التي لم تنخرط كثيرا في الحياة المدنية.

إن تجميع الأساطير والمعتقدات والأمثال ودراستها يعد مطلبا ليس للأهمية الثقافية فحسب، بل لما تركته من أثر في الحفاظ على البيئة ومفرداتها، وما شكلّته من مشترك إنساني بين الشعوب، وهنا تكمن قيمة الميثولوجيا الحقيقية.

* محمد الشحري كاتب وروائي عماني