المهرجانات السياحية وصناعة الثقافة

12 يونيو 2023
12 يونيو 2023

تقام المهرجانات لأهداف ثقافية وسياحية واقتصادية ضمن خطط وطنية تُروج لثقافة البلد المستضيف واستقطاب المشاهير ووسائل الإعلام. ثم أصبحت مناسبات سنوية يشد إليها الرحال للاستمتاع بما تقدمه من أنشطة فنية وبرامج ثقافية، تُسلط فيها أضواء الشهرة على فئة من المشاركين وتسيل بعدها أخبار الصحف مدحا أو ذما. واستعراضا للمهرجانات في الوطن العربي نجد الموسيقى والغناء في القائمة، فمهرجان بعلبك تأسس 1955 وقرطاج 1964، وجرش 1983. ولحقت السينما بالموسيقى في بداية ظهور المهرجانات، إذ أقيم أول مهرجان سينمائي في تونس عام 1966 تحت شعار أيام قرطاج السينمائية، ثم لحق بها الشعر في مهرجان المربد المقام في مدينة البصرة عام 1971.

وقد شهدت المهرجانات تحولا كبيرا بعد اكتساح العولمة لكل مجالات الحياة في العالم، فانبثقت عن العولمة صناعات ثقافية استهلاكية هدفها تحقيق الربح المالي على حساب القيم الجوهرية للثقافة. قال عنها (جون ستوري) في كتابه (النظرية الثقافية والثقافة الشعبية، ترجمة صالح خليل أبو أصبع وفاروق منصور) «ساعدت أشكال الثقافة التجارية على إنتاج حاضر تاريخي لا نستطيع الآن الهرب منه». هذا الواقع نعيشه منذ سنوات، منذ أن تكرس مهرجان صلالة السياحي لفعاليات غنائية تستنزف أموالا تُدفع للمطربين والعازفين القادمين من خارج سلطنة عمان. وقد ناشدنا الإدارات المتعاقبة على بلدية ظفار وعلى المهرجان، لتخصيص أيام ثقافية متنوعة في كل موسم، مثلا دورة للسينما وأخرى للمسرح وأخرى للأدب وغيرها للفنون. وكنا نضرب المثل بمهرجان مسقط إذ قدم - سابقا- العديد من الفعاليات الثقافية واستضاف العديد من الكتاب والأدباء من داخل وخارج سلطنة عمان، ودفع مقابلا ماليا معقولا للضيوف، ولكن المهرجان توقف عن الفعل الثقافي منذ سنوات، لأسباب لا نعلمها. أما مهرجان صلالة السياحي فكان متواضعا بفعالياته الثقافية - ولا يزال بعيدا عن المساهمة في الاحتفاء بالأدب والفن العُماني، رغم دعواتنا المتواصلة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. صحيح أن الحرف التقليدية وبعض الفنون الشعبية تنال حظها في برامج وأنشطة المهرجانات، ولكنها وُظِفت كأثاث وكماليات لا أكثر، فكانت بالنسبة للزائر وجبة خفيفة، ومملة ومستهلكة بالنسبة للمقيمين ومرتادي المهرجان للمرة الثانية أو الثالثة.

نعلم جيدا أن المهرجانات السياحية أصبحت رافدا اقتصاديا مهما، يقوم على المنتجات الثقافية وصناعة الثقافة ذلك المصطلح الذي صاغه كل من ثيودور أدورنو(1903-1969) وماكس هوركهايمر(1895-1973) سنة 1944 في مختبرات البحوث الاجتماعية لمدرسة فرانكفورت الفلسفية، «للتعبير عن منتجات الثقافة الجماهيرية وعملياتها، وهما يقولان إن منتجات صناعة الثقافة تتميز بالتجانس والتماثل». ولكن هذه الصناعة تسعى إلى تعميم الأذواق وتشجيع الاستهلاك السريع لأي منتج، بل وتحرم « الثقافة الأصيلة من وظيفتها النقدية»، كما ذكر (جون ستوري).

حافظت بعض المهرجانات والمواسم الثقافية على طابعها الثقافي البحت، دون الخضوع لرأس المال المتوحش، فمثلا لا يزال موسم أصيلة الثقافي واحدا من أهم المهرجانات الثقافية في الوطن العربي، بينما تفشل المهرجانات التي يعكف مسؤولوها على دخول موسوعة جينيس للأرقام القياسية كأكبر طبق وصحن فلا يحفل بهم أحد.

تحتاج المهرجانات في سلطنة عمان إلى التطوير والبحث عن أفكار تنقلها من وضعها الراهن إلى مستوى يسهم في رفد الاقتصاد الوطني، وخلق تنمية مستدامة يكون محورها الإنسان والبيئة، وترتكز على المقومات المحلية. لهذا نقترح إنشاء هيئة مستقلة لإدارة وتنشيط المهرجانات في سلطنة عمان، وتهيئة بيئة لصناعة ثقافية مثل تصوير الأفلام السينمائية، فالبيئة العُمانية أشبه باستوديو مفتوح نظرا لتنوع التضاريس وجمالها، ويمكن الاستفادة من تجربة مدينة ورزازات المغربية في هذا المجال، إذ تشهد الآن تصوير الجزء الثاني من فيلم المصارع الذي حاز جوائز عالمية في السينما.