المهرجانات الثقافية..

22 مارس 2023
22 مارس 2023

تُقاس الأمم بوزنها المعرفي وثقافتها الداخلية الثرية التي تصدّر أحسنها وأجودها للخارج، ومتى اتسعت رقعة الإبداع؛ كان للأمة نصيب من ذلك الاتساع معرفيا واقتصاديا ومكانة عالية سامقة لدى نظيراتها من الأمم.

ومما يثلج الصدر في الفترة الأخيرة، هذا التوجه الحكومي الشامل والغني من أجل رفد الثقافة بشتى صنوفها ومشاربها، فتجد الاهتمام بالشعر والتراث والدراسات الأكاديمية، وتجد اهتماما بالموروث الشعبي الشفهي والمكتوب والفنون التي لها نصيب من ثقافة هذه الأمة العريقة والعتيقة في صرح التاريخ الكبير للأمة الإنسانية جمعاء.

انتهى قبل يومين مهرجان الثقافة العماني الأول الذي أقامته وزارة الثقافة والرياضة والشباب في مركز عُمان للمؤتمرات والمعارض، وجمع ثلة من الشعراء والأدباء والنقاد، فضلا عن فرق الفنون الشعبية والمشهد التمثيلي الذي يجمع ويصف الفنون الزاخرة للأمة العمانية في دقائق قليلة وممتعة في آن، كما كان المشهد ذا رونق بهي بالعمل الجبار الذي تقوم به الوزارة في مواكبة التقدم الإعلامي المتسارع، حيث إن المشارك والمشاهد لفعاليات المعرض يجد تغطية إعلامية مميزة بتصاميم حديثة وعمل ينبع من مشكاة الإبداع الغنية لمحترفي تصميم مقاطع الفيديو والصور التوثيقية لفعاليات المهرجان.

وتكمن أهمية المهرجانات ، في كونها الرافد الحي للمهتمين بالشؤون الثقافية، فلا شيء يسهم في تكوين الوعي الثقافي ورفعه كما يفعل الحوار والنقاش من قِبل المهتمين والمتخصصين في موضوع ما، فكيف بموضوع متجدد دوما كالشعر!. كما تكمن أهميته في جمع المشارب الشعرية في مكان واحد، فهذا الشاعر المصري أحمد بخيت يتعرف على الصوت الشعري العماني الكلاسيكي والحديث، وهذا الشاعر الأردني علي الفاعوري يلتقي بمثقفي سلطنتنا ويتجاذب معهم رؤاه الشعرية ويشاركهم أحاسيسه الشعرية المفعمة، وهذه الشاعرة البحرينية نبيلة الزباري تستمع إلى الصوت العماني الحديث في الشعر. كما أن الفائدة مشتركة، فيستمع الشعراء المشاركون إلى هذه الثلة من الشعراء ذوي الخبرة والمكانة الشعرية لدى المتحدثين بالعربية عموما، كما أن إقامة المشاركين جميعهم في مكان واحد يجعل أمر التقائهم وتجاذبهم أطراف الحديث واشتراكهم في الهم الثقافي المشترك أمرا يوميا، مما يرفع ملكاتهم الشعرية ويفتح لهم آفاقا جديدة تسهم في إيجاد روح جديدة فيما يكتبون من الشعر والنثر.

كما أن اللقاء بأباطرة الثقافة العمانية في مثل هذه المهرجانات، لها وقع حسن مضيء في نفوس المشاركين، فينهلون من مشارب الخبرة والمعرفة ذات الجذور الراسخة في الثقافة العمانية والعربية على السواء. وقد كان لحضور الشيخ الأستاذ هلال بن سالم بن حمود السيابي والأستاذ أحمد الفلاحي أثره الكبير في نفوس المشاركين عموما وفي نفسي خصوصا، وأخص بالذكر تلك النقاشات والسؤالات الجانبية بعد انتهاء الفعالية الرسمية، وتلك الاستفادة التي ننالها من الاستماع لهم والحديث معهم وهم الذين التقوا بكبار الشعراء في القطر العماني وخارجه وعايشوا كثيرا ممن رحل من عمالقة الأدب والثقافة والتاريخ. كما كان لحضور أميرة الشعراء عائشة السيفية وقعه الجميل وأثره الطيب في نفوس المشاركين، فأن يستمع لك شاعر ممارس وله باع طويل، ثم يفيض عليك من خبرته ورؤيته الشعرية المعرفية فتستفيد منه في تطور ملكتك الشعرية المعرفية؛ فهذا لوحده مما تُضرب له آباط الإبل كما يُقال قديما.

هكذا تسهم المهرجانات الثقافية في رفع الوعي المعرفي لدى عموم الناس، ولدى الممارسين لنوع بعينه من المعرفة أكانت شعرا أم نثرا في شتى صنوف المعرفة ومشاربها. ولئن كان العرب قديما يلتقون في الأسواق المشهورة كسوق صُحار الذي كان مجمعا للشعر والخطب ومآثر العرب، فضلا عن التجارة والبيع والشراء، وكسوق عُكاظ وغيرها من أسواق العرب المشهورة التي أبرزت النجوم اللامعة كالنابغة والأعشى وحسان بن ثابت والخنساء وغيرهم؛ فإن المهرجانات الثقافية اليوم تقوم مقام هذه الأسواق، بل وبفرص أكبر للتطور والتعلم والاستفادة.