المتاحف الشخصية.. ميراث شعب وذاكرة وطن

26 يونيو 2023
26 يونيو 2023

قام بعض المواطنين في سلطنة عمان - بما تقدمه المؤسسات في حفظ الذاكرة والإرث الثقافي وخاصة في مجال التراث المادي - الشغوفين بالثقافة ومفرداتها بتأسيس متاحف شخصية في بيوتهم رغبة منهم في نقل المعارف والخبرات إلى الأجيال، إن جهود المهتمين بالحفاظ على الذاكرة الإنسانية والوطنية عبر الثقافة المادية والشفوية هي الأجدر بالاهتمام والتشجيع، لأن المهتمين بترميم الذاكرة إنما يحافظون على كنوز ثقافية أهملها أهلها وتركوها عرضة للنسيان، لقائل أن يقول ما قيمة الاحتفاظ بهذه الحرف والاعتناء بها؟ هنا نقول أن الأدوات الحرفية والتراثية المحفوظة في المتاحف الشخصية تمثل قيما معنوية لا تقدر بثمن، لأن الأدوات التي يستخدمها أي شعب من الشعوب تعكس مدى التطور الثقافي والحضاري الذي بلغه إنسان ذلك المكان، ومن هنا يهتم علماء الآثار والأنثروبولوجيا بدراسة الأدوات واللُّقى المستخرجة من الحفريات الأثرية.

نكتب عن المتاحف ونحن نطالع بين الحين والآخر طرح الجهات الحكومية عدة مشروعات إنمائية في سلطنة عمان، وبدورنا نسأل قبل فوات الأوان وقبل اللوم عن أنسنة المشروعات المعلن عنها، ونسأل عن وجود المتاحف والمعارض الفنية والمكتبات والمسارح وغيرها من المرافق التي تضفي على المباني والأرصفة روحا وبهجة، فمثلا أُعلن مؤخرا عن مشروع (بوليفارد الرذاذ) في منطقة أتين بمدينة صلالة كأفضل مشروع إنمائي، وبالتأكيد فإن وجود أي مشروع سياحي وترفيهي يقدم خدمات للمقيمين والزوار يلقى الترحيب؛ نظرا لمساهمة المشروع في الاقتصاد الوطني وخلق وظائف للشباب، وأيضا متنفس للسكان والمقيمين في المحافظة. ولكن نأمل أن يضم المشروع مساحات وفضاءات ثقافية دائمة كالمتاحف الشخصية على سبيل المثال، وبالتحديد متاحف المرأة، إذ يوجد في محافظة ظفار نموذجان بارزان لمتاحف المرأة العمانية أولهما متحف المرحومة طفول بنت رمضان بامخالف (ت: 2021)، والثاني متحف المرحومة حسنة بنت سعيد الحريزية (ت:2021). صاحبة مركز كنوز ظفار للتحف والهدايا.

سبق وأن كتبت عن متحف الحرفية طفول بامخالف إبان افتتاحه مهرجان صلالة السياحي بسهل أتين 2010 – أول مشاركة للمتحف في المهرجان عام 1996- وانبهار الزوار بما شاهدوه في المتحف، وإعجاب الجمهور بحرص طفول بامخالف وصبرها على تجميع الأدوات المشكّلة لمتحفها الشخصي وإضافة الكثير من التحف والأدوات المستخدمة في ظفار، سواء كانت من صنع الحرفي العُماني أو أخرى من الأدوات المستوردة التي استخدمت في الماضي، ثم تطورت الأداة واختلف الاستخدام، وأصبحت تقدر بالآلاف يتهافت عليها أصحاب المزادات لبيعها بأغلى الأثمان.

إن جهود المرحومة طفول بامخالف والمرحومة حسنة الحريزية تُذكر وتشكر وتُقدر، بل نجد من الأهمية وجود مقتنيات المتحفين في مشروع (بوليفارد الرذاذ) السياحي، لتعريف الزوار ومرتادي المشروع بالتراث الثقافي العُماني، وللمساهمة في تعريف الأجيال بمكونات الثقافة العمانية المادية وغير المادية. تعرفت على المرحومة طفول بامخالف أثناء كتابة مدخل الفضيات في عُمان في مشروع الموسوعة العُمانية (خريف 2009) فهي تعتبر مصدرا للمعلومات في مجال الفضيات واشتغلت في هذه الصنعة وأبدعت فيها، ونالت عدة جوائز في مجال الفضيات في مسابقة الهيئة العمانية للحرف الوطنية سابقا. وقد أضافت لي شخصيا معلومات مهمة كأسماء الفضيات وطريقة لبسها.

ونأمل من المسؤولين في وزارة التراث والسياحة تمكين أصحاب المتاحف الشخصية من استثمار المقتنيات التي بحوزتهم وعرضها في قاعات مهيئة ومجهزة بتقنيات العرض، ودعمهم لخلق منافذ لبيع بعض الحرف والمشغولات اليدوية، كما نتمنّى من بلدية ظفار تشجيع العاملين والعاملات في الصناعات الحرفية والمتاحف ووجودهم في الساحات المخصصة لفعاليات مهرجان الخريف، وعرض ما لديهم لزوار المحافظة.