العصر الذهبي للأخوات الثلاث
يقترح علينا بعض الأصدقاء عناوين لكتب معينة فتعجبنا أحيانا، وأحيانا تختلف الأذواق حسب مضامين الكتب وانعكاسها على نفسية القارئ. فتقرأ كتابا اقترحه عليك صديق أو وجدت إشارة له في الصحف والملاحق الثقافية، أو على صفحات وسائل التواصل. لكني أثق دائما بالكتب التي يقترحها علي الصديق القطري محمد المنصور، فهو الذي أهداني رواية «المعلم ومارجريتا: الشيطان يزور موسكو» للكاتب الروسي ميخائيل بولغاكوف (1891-1940). كما نصحني باقتناء رواية «بيرة في نادي البلياردو» للكاتب المصري وجيه غالي (1930-1969) الذي توفي منتحرا، بعد إصداره للرواية التي تُرجمت إلى العربية في عام 2013. اختيرت هذه الرواية ضمن أفضل رواية للصيف في مدينة هايدلبيرغ الألمانية صيف 2018. مؤخرا أشار لي محمد المنصور بقراءة الروايات الصينية «العصر الذهبي» لاوانغ شياوبو (1952-1997) الصادرة عن دار المتوسط ترجمها عن الصينية علي ثابت. وكذلك رواية «الأخوات الثلاث» للكاتبة يونغ تشانغ (1952) والصادرة عن دار الساقي، ترجمة سمية فلّو عبود. المؤلفة نفسها التي كتب رواية (بجعات برية) التي لاقت رواجا وشهرة عالمية.
في رواية الأخوات الثلاث، تذكر الكاتبة يونغ أن فكرة تحول الصين من الملكية إلى الجمهورية، ولدت في جزيرة هاواي على يد الشاب الثائر سون يات- سين (1866-1925) الذي سيصبح أول رئيس لجمهورية الصين الشعبية، بعد صراع ونضال يمتد إلى الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان في بعض الأوقات. كان إعلان هاواي نفسها جمهورية سنة 1894، محرضا للفتى سون يات-سين، المقيم في الجزيرة مع شقيقه آه مي.
تناولت الكاتبة يونغ في كتابها حياة ثلاث أخوات «رسمن تاريخ الصين الحديث»، كما يشير العنوان الفرعي للكتاب. كل واحدة من الأخوات الثلاث ساعدت زوجها لتحقيق طموحاته السياسة، البنت الوسطى تشيغ- لينغ ارتبطت بسون يات-سين «أبو الجمهورية»، تودد إلى الأخت الكبرى أي-لينغ، لكنها رفضته، حين اكتشفت انتهازيته في بداية مشواره السياسي، وانقلابه على الأصدقاء قبل الأعداء. هو ذاته الذي استلم من الألمان مليون ونصف مليون دولار، لوقف انضمام الصين إلى الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، وعرض على اليابان احتلال أجزاء من الصين، مقابل مده بالسلاح والقضاء على خصومه السياسيين. بعد وفاة زوجها انضمت تشينغ إلى الشيوعيين وسُميت «بالأخت الحمراء»، وقدمت كل ما لديها للتغلب على حكم شيانغ كاي زوج شقيقتها، المناوئ للشيوعيين، وأصبحت لاحقا نائبة لماو تسي تونغ. تزوجت البنت الكبرى إي-لينغ التي ستصبح أغنى نساء الصين، من هـ.هـ.كونغ الذي تولى منصبي رئيس الوزراء ووزير المالية في الصين. أما البنت الصغرى ماي- لينغ فقد تزوجت شيانغ كاي، الذي مهد له السوفييت الطريق للوصول إلى قيادة الجيش ثم انقلب عليهم، وجاهر بالعداء ضد الشيوعية. وبعد قتال مع ماو، نقل حكمه إلى تايوان وأسس في الجزيرة جهورية الصين بدعم من الولايات المتحدة.
الكتاب لا يروي قصة عائلة سونغ التي تتألف من ثلاثة ذكور إضافة إلى الأخوات الثلاث، وعن أول نساء صينيات يدرسن في الولايات المتحدة، بل تروي الكاتبة قصة السياسيين الصينيين وتحويلهم للصين من نظام ملكي إلى جمهوري. وكيف فرّقت السياسة بين أفراد العائلة، حين تكون القناعات الشخصية والطموح الفردي والمصالح، أهم من رابطة الدم والأخوة. يكشف الكتاب عن الأدوار التي أدّتها المرأة في الصين، بعد تحررها من التقاليد الصينية القاسية، ليس أقلها عملية «تقييد القدمين المعتمدة على تكسير الأصابع الأربعة الصغيرة للقدمين، وثنيها وربطها بباطن القدم ليصبح شكل القدم يشبه بتلة الزنبق».
تبقى للكتابة سطوتها في إظهار التجارب الإنسانية، والكشف عن المسكوت عنه في خضم الصراعات السياسية وتحولاتها.
محمد الشحري كاتب وروائي عماني
