الصناعات الثقافية.. مشاريع واعدة ومستدامة

10 يناير 2022
10 يناير 2022

تتيح لنا الاستراتيجية الثقافية (2021-2040)، مساحات من التفكير فيها والعمل بها وتنفيذها، وفق رؤية عالمية تعتبر الثقافة قطاع منتج وليست قطاع خدمي؛ لأن الثقافة هي "ما ينتجه البشر وليس ما يرثونه"، حسب كتاب (مدخل إلى السياسات الثقافية في العالم العربي، المورد الثقافي 2010، تحرير حنان الحاج علي). ولأجل تحقيق الطموحات فيما يتعلق بالشأن الثقافي، جاءت رسالة الاستراتيجية الثقافية التي تهدف إلى " تنظيم وتطوير العمل الثقافي وتهيئة البيئة المناسبة للإبداع بهدف ترسيخ الهوية الثقافية وتحقيق الريادة و تنميتها واستدامتها محليًا وعالميًا". من هذا المنطلق فإننا نعوّل كثيرًا على هذه الاستراتيجية، التي أفردت محورًا للصناعات الإبداعية الثقافية، ومن أهداف المحور "تعزيز الوعي بأهمية الاستثمار في المجال الثقافي، ودعم وتشجيع الاستثمار في مشاريع إبداعية مستدامة، وتقديم التسهيلات للمشاريع في مجالات الصناعات الإبداعية، وتعزيز المساهمة الاقتصادية للقطاع الثقافي". هذه الأهداف يمكن تحقيقها على أرض الواقع بمدة زمنية أسرع وجهد أقل، عبر تأسيس صندوق وطني لتمويل القطاعات الثقافية، المُدرجة ضمن الاستراتيجية مثل: الهوية والتراث الثقافي غير المادي، والترجمة والنشر، والأدب، والمخطوطات، والفنون البصرية والأدائية، والمهرجانات والمعارض الثقافية، والتواصل الثقافي، والفعاليات والمسابقات الثقافية.

يمكن تمويل الصندوق بدعم حكومي والقطاع الخاص، كاستقطاع مبالغ مالية من التحويلات المالية خارج السلطنة، ومنح قطع أراضي تجارية وصناعية بصفة الانتفاع من وزارة الإسكان والتخطيط العُمراني، تُمنح للمتقدمين الراغبين بتأسيس المشاريع الثقافية، على أن تُعطى الأولية للشباب الباحثين عن العمل في الحصول على التمويل وإدارة المشاريع. ويقوم الصندوق ببناء وتشييد العقارات حسب المخططات العمرانية سواء في مناطق تجارية أو صناعية، ويُخصص ريع العقارات للمشروع الثقافي، حتى يتحقق له العائد المالي، وبعد ذلك يُسدد قيمة التمويل من الدخل السنوي للمشروع. ولتنويع مصادر تمويل الصندوق مثلا، يُفرض على مؤسسات القطاع الخاص المستفيدة من الدعم الحكومي رسوم مالية، وأيضا رفع نسبة المبالغ المالية المُخصصة للمسؤولية الاجتماعية، إلى ما يقارب 15% من دخل الشركات الكبيرة. وكذلك تخصيص مبالغ من رسوم تسجيل المؤسسات التجارية، أو التجديد لها لفائدة الصندوق. الذي يمكنه أيضا توظيف أموال الوقف، واستقبال التبرعات والهبات غير المشروطة.

ولا نستبعد أن يعتمد الصندوق على ذاته في التمويل، ويموّل مشاريع أخرى سياحية وتنموية في السلطنة، ويسهم مع صناديق الاستثمار وصناديق التقاعد في تحقيق التنمية الشاملة وتطلعات رؤية عمان 2040.

ستواجه تسويق المنتجات الثقافية الوطنية العديد من التحديات، منها المنافسة الإقليمية أو ضعف الإقبال عليها من قبل الجمهور، لذا يتوجب حماية المُنتج الثقافي العُماني، ولتفعيل ذلك نقترح أن تُهدى المنتجات الفنية العُمانية كالصور الضوئية أو اللوحات التشكيلية أو المنتجات السعفية..ألخ، لراعي المناسبة في الاحتفالات، أو في حالة تكريم الضيوف والاحتفاء بهم، بدل الدروع التذكارية، التي تفتقد للقيمة الثقافية، وتتكدس لاحقًا على أرفف المكاتب، كشواهد على الإهمال وعدم الاعتناء بالمنتج الثقافي الوطني.

وللاستفادة من التجارب العربية والخليجية فيما يتعلق بصناديق التنمية الثقافية، يمكن الاطلاع على تجربة المملكة العربية السعودية، التي أطلقت في يناير 2021، صندوق التنمية الثقافي، الذي يقدم الدعم لقطاعات ثقافية متعددة. وكانت مصر سباقة في التنمية الثقافية، إذ أنشأت صندوقا للتنمية الثقافية في عام 1989، يتبع وزارة الثقافة.

إذا كانت الصناعات الإبداعية بحاجة إلى دعم وتشجيع، وتخصيص لها صناديق خاصة، فإن القائمين عليها بحاجة إلى دعم لا يُكلف شيئًا، كأن يتم تفرغ المثقفين والمبدعين والفنانين لأعمالهم ومنتجاتهم؛ لأنهم طاقة بشرية فاعلة أولا، وأرواح للثقافات الحية ثانيًا، القادرين على إعادة تجديد الثقافة واستدامة عناصرها وانتشارها، لذا فإن رعايتهم واجبة، وتذليل الصعاب أمامهم مطلب، فهم بحاجة إلى منحهم الفرص للتفرُغ والإشراف المباشر على إنتاجاتهم الفنية والأدبية والمسرحية وغيرها من المجالات التي قد تُستثمر كمُنتجات للترويج للسلطنة، فعلى سبيل المثال، أسهم فوز رواية سيدات القمر للكاتبة جوخة الحارثية بجائزة مان بوكر الدولية للرواية، في لفت أنظار المترجمين إلى الأدب العُماني بشكل خاص، والأدب الخليجي بشكل عام. خاصة وأنها المرة الأولى التي يفوز فيها كاتب عربي بواحدة من كبرى الجوائز المخصصة للروايات، وقد تُرجمت سيدات القمر إلى أكثر من لغة، ودخلت قائمة أكثر الكتب مبيعا في الولايات المتحدة وكندا وأستراليا، حسب ما ذكرته قناة( فرنسا 24)، في أحد حواراتها مع الكاتبة جوخة، التي فازت روايتها سيدات القمر مؤخرا، بجائزة (لاغاردير) للأدب العربي في فرنسا، بالتعاون مع معهد العالم العربي. كل تلك الجوائز ترفع من قيمة الأدب والثقافة العمانية في كل أنحاء العالم وتروج لاسم السلطنة.