الصدمات المالية وتأثيرها على المجتمع

07 ديسمبر 2025
07 ديسمبر 2025

يؤكد الخبراء أن سلوكياتنا المالية ومعتقداتنا تجاه المال تبدأ منذ الطفولة قبل سن السابعة من خلال ما نراه ونسمعه في منازلنا. لكن الصدمات المالية لا تقتصر على الطفولة، بل قد تظهر في أي مرحلة من حياتنا؛ نتيجة مواقف ضاغطة مثل فقدان وظيفة، أو تراكم ديون، أو تعثر مشروع، أو خلافات أسرية متكررة حول المال.

واللافت أن الحدث ذاته قد يكون عاديًّا عند شخص، ويترك أثرًا عميقًا عند آخر. هذا يعني أن الصدمة المالية ليست الحدث ذاته، بل هي ردة الفعل تجاهه، والضيق النفسي والعاطفي والجسدي الناتج عنه. فعلى سبيل المثال؛ قد يمر شقيقان بالظروف ذاتها، فيطور أحدهما عقلية متشائمة تجاه المال، ليصبح حذرًا بشكل مفرط يخشى الالتزامات والاستثمارات بينما يتعلم الآخر التعامل بروح مرنة وإيجابية مستفيدًا من الدروس السابقة ليبني مستقبلًا ماليًّا أكثر استقرارًا.

إن تجاوز الصدمات المالية لا يعني فقط تحسين الوضع المالي للفرد، بل يعني إعادة بناء العلاقة مع المال على أسس صحية؛ حيث يسود الأمان بدل الخوف، والاختيار الواعي بدل الشعور بالتقييد، والتعاون الأسري بدل الاعتماد المرهق على الذات، والثقة بدل الشك، والتمكين بدل الشعور بالضعف.

تخيل معي لو أصبحت البيوت العُمانية بيئات مالية قائمة على هذه المبادئ؛ كيف سيكون مستقبل شبابنا في إدارة الأموال؟ وكيف سينعكس ذلك على استقرار الأسر والمجتمع ككل، وعلى الأجيال القادمة؟

إن فهم الصدمة المالية وطرق التعامل معها هو خطوة أولى نحو وعي مالي حقيقي يحمي الفرد من تكرار التجارب المؤلمة، ويقود المجتمع إلى مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا؛ ولهذا ظهر اليوم فرع جديد من الإدارة المالية قائم على دراسة تأثير الأحداث التي يتعرض لها الفرد في تعاملاته المالية. هو مزيج بين علم النفس السلوكي والاقتصاد بعد أن فشلت التقنيات التقليدية في فهم وتغيير العادات المالية للأفراد، مثل العزوف عن الادخار حتى في حال الوفرة المالية، أو تجنب الاستثمار أو الاستهلاك المفرط أو البخل الشديد.

كل هذه السلوكيات لها دوافع نفسية نشأت في فترة ما من حياة الفرد إثر تعرضه لحدث ما. بالنسبة لنا كعُمانيين؛ كانت فترة ما قبل النهضة فترة عصيبة تخللتها حروب أهلية، وهجرة الآباء والأبناء؛ بحثا عن لقمة العيش. لا شك أن هذا كان له تأثير عميق على تعامل ذلك الجيل مع المال، وهو ما ورثناه عنهم ونورثه لأبنائنا إن لم نكن واعين لهذه الحقيقة؛ بالتالي فإن الوعي بهذه الجذور يمكن الفرد من تبني سلوكيات إيجابية تجاه المال.

حمدة الشامسية كاتبة عُمانية في القضايا الاجتماعية