السياسات الثقافية ترسخ التنوع والانتماء

10 أكتوبر 2022
10 أكتوبر 2022

دعا المجتمعون في مؤتمر اليونسكو العالمي للسياسات الثقافية والتنمية المستدامة 2022 المنعقد في مكسيكو نهاية الشهر الماضي إلى "ترسيخ الثقافة باعتبارها منفعة عامة عالمية، وتضمين خطة التنمية المستدامة لما بعد 2030 هدفا خاصا قائما بذاته يتعلق بالثقافة"، وفي البيان الختامي المكون من 22 نقطة أجمع المشاركون على التأكيد والالتزام بالثقافة وتضمينها في السياسات العامة وفي الخطط والبرامج المتعلقة بالتنمية المستدامة، لإيجاد مظلة من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للمشتغلين بالإنتاج الثقافي الأدبي والفني وضمان حرية التعبير وحماية التراث الثقافي وحقوق الشعوب الأصلية.

إن الاهتمام العالمي بالثقافة يُعبر عن رغبة الإنسان في خلق التفاهم وتأصيل التواصل وترسيخ الحوار كمبادئ عالمية لصالح البشرية، لأن الثقافة وأدواتها الناعمة تستطيع تذويب الخلافات وتقريب الذوات للتفاهم والتعايش وإيجاد الحلول للأزمات السياسية والمشاكل البيئية. لذلك صاغ المشرعون مشروع السياسات الثقافية التي تعد من المصطلحات الطارئة في ميادين العلوم الإنسانية إذ لم يُتداول المصطلح إلا في نهاية القرن الماضي، أما تطبيقه فلم يكن له وجود على الإطلاق. ولكن مع السعي الحثيث للمنظمات الدولية كالأمم المتحدة واليونسكو نحو الاهتمام بالثقافة باعتبارها واحدة من أهم الروابط الإنسانية القادرة على خلق التفاهمات وتقدير الإنسان، فقد أطرت اليونسكو العمل الثقافي بأطر السياسات الثقافية التي تعني "مجمل الخطط والأفعال والممارسات الثقافية التي تهدف إلى سد الحاجات الثقافية لبلد ما، أو مجتمع ما، عبر الاستثمار الأقصى لكل الموارد المادية والبشرية المتوفرة لهذا البلد وهذا المجتمع، أي ما يتخطى السياسة المتعلقة بالفن والتراث إلى سياسة أوسع وأشمل تتطلب تضافرا وتكاملا بين المجتمع والثقافة كحالة إبداعية " مثلما ورد ذلك في كتاب (مدخل إلى السياسات الثقافية في الوطن العربي) لمحررته حنان الحاج علي أحد أعضاء مؤسسة المورد الثقافي.

نجد ملامح السياسات الثقافية في سلطنة عمان منصوص عليها في التشريعات سواء في النظام الأساسي للدولة أو في بعض الاتفاقيات الثقافية والمعاهدات التي صادقت عليها السلطنة، وتتمظهر تلك السياسات في الاستراتيجية الثقافية (2021-2040) وهي الأولى من نوعها على المستوى الوطني. إذ تضمنت الاستراتيجية قيما ثقافية مثل الهوية الوطنية، والحريات الفكرية، والانفتاح والتعددية والانتماء، وذلك لاستيعاب التنوع الثقافي في السلطنة بشقيه المادي والمعنوي، وهو تنوع فريد من نوعه على المستوى الإقليمي والعربي. لذلك ينبغي من المهتمين والفاعلين الثقافيين والمنتمين للتنوع المذكور، القيام بمسؤولياتهم الفردية تجاه التنوع وإثرائه، كالاشتغال السردي أو البحث الميداني أو توظيفه توظيفا فنيا، بينما تسن المؤسسة التشريعات وتوفر الإمكانيات المادية والبشرية وتسهل للأفراد القيام بفعل الحفاظ والتجديد في عناصر الثقافة.

إن الاهتمام بالثقافة على مستوى المنظمات الدولية كاليونسكو وغيرها، يحملنا على التفاؤل بشأن الثقافة ومنتجاتها الفنية والأدبية وكذلك بالنسبة للإدارة الثقافية الخاصة بها. ونأمل أن ينال الإنسان المثقف حظه من الاهتمام والرعاية، سواء تعلق الأمر بنوعية إنتاجه الثقافي وقيمته كمادة مُعبّرة عن وعي وفكر ورأي صاحبه أو كان مردودا ماليا يوازي الجهد والوقت المبذولين في المنتج، لأن الفاعل الحقيقي في الصناعات الثقافية هو المبدع والمُؤلف والصانع، ولذلك فهو معني بالحماية وهي مُجسدة في السياسات الثقافية لمنظمة اليونسكو منها توصية بشأن أوضاع الفنان 1980 وتوصية بصون الثقافة التقليدية والفلكلور 1989، والاتفاقية العالمية لحقوق المؤلف 1952، ولتفعيلها لا بد من تطبيقها على أرض الواقع. أما الرعاية المطلوبة وخاصة على المستوى الوطني فهي منح المثقف التفرُغ للاشتغال على منتجه الثقافي الذي يأخذ منه الوقت والجهد، لذا فإن التفرغ لأجل الإنجاز الثقافي صار مطلبا ورغبة لمن يطمح للإبداع وتطوير إنتاجه الثقافي الفكري والأدبي والفني.

إن الاهتمام العالمي بالسياسات الثقافية يظهر ملامح الثقافات المستقبلية القادرة على استيعاب التحولات البشرية في أكثر من صعيد، ولهذا فإن الرهان على المستقبل يبدأ من الراهن، ولتأكيد ذلك فإن مؤتمر السياسات الثقافية سيتحول إلى مؤتمر عالمي يُقام كل أربع سنوات بعد العام 2025.