الدبلوماسية الثقافية.. الأثر والمآل

10 يوليو 2023
10 يوليو 2023

تسعى الدول إلى التعريف بثقافتها أمام العالم معتمدة على إمكانياتها الذاتية وتسخر علاقاتها الدولية لتحسين صورتها وسمعتها لدى الآخر لجذب المزيد من الاستثمارات ورؤوس الأموال وخلق أنشطة اقتصادية للباحثين عن عمل، لذلك فإن مهام الدبلوماسية الثقافية يتسع مجالها لتشمل مجالات اقتصادية وثقافية أخرى غير مجال العلاقات الدولية.

أحدثت الحرب العالمية الثانية شرخا في العلاقات الإنسانية، نتج عنها اهتمام عالمي بترميم الفجوات وإعادة الأمل في العلاقة بين البشر، وقد تكللت جهود الراغبين بتحقيق السلام في صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، وقبل الإعلان تأسست منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (1946) «بهدف تهيئة الظروف والأجواء الدولية المشحونة، وخلق قواعد الحوار بين الحضارات والثقافات على أساس احترام القيم المشتركة وإحلال التسامح والسلام بين الشعوب» كما ذكرت جيهان زكي في كتابها الدبلوماسية الثقافية بين الأصل والصورة. تبنت الولايات المتحدة مشروعا ثقافيا حمل اسم «الفولبرايت» يهدف إلى التبادل الثقافي بين الولايات المتحدة وبقية الشعوب، ثم أقرت مشروعا آخر بمسمى «سميث- موند» تابعا لوزارة الخارجية الأمريكية نجم عنه تأسيس مكتب للشؤون التربوية والثقافية، استخدم كقوة ناعمة للولايات المتحدة ومحاولة للهيمنة عبر البوابة الثقافية اعتبرها البعض إمبريالية ثقافية تفرض أدواتها للهيمنة على مقدرات الشعوب واختراق ثقافاتهم والسيطرة على صناع القرار. بينما الدبلوماسية الثقافية «فن إدارة العلاقات الدولية على خلفية الظهير الثقافي واشتراط لمبدأ العدالة والتفاهم المتبادل بين الشعوب».

شهدت فترة الخمسينيات تسارعا في المجال الثقافي وظهرت عدة مفاهيم ومصطلحات في الحقل الثقافي، منها تعريف السياسات الثقافية، فقد عرّفه البريطاني روبرت تاير عام 1959 «بأن السياسات الثقافية أفعال تتمثل في عملية تواصل ناجحة تُنقل لشعوب أخرى عناصر فهم حياة وثقافة شعب مختلف». اصطلح عليه مؤخرا بأن السياسات الثقافية هي القوانين والتشريعات والبرامج التي تحمي التنوع والإرث الثقافيين.

وتُعتبر الأكاديمية المصرية بروما خير مثال على الدبلوماسية الثقافية والترويج للثقافة المصرية بكل تنوعها الثقافي والحضاري، وتأسست في روما عام 1929 باقتراح من الفنان المصري راغب عياد (1882-1982)، وكان الهدف الحقيقي للأكاديمية اعتبارها مقاما للفنانين المصريين، وقنطرة تعبر من خلالها الثقافة المصرية إلى أوروبا، عبر العديد من الأنشطة والبرامج الثقافية ومعارض الفنون التشكيلية والحفلات الموسيقية والمؤتمرات والملتقيات التي تبرز المكون الثقافي المصري.

تقوم المراكز الثقافية بدور الدبلوماسية الثقافية نظرا لقدرتها على المرونة وسهولة الوصول إلى الجماهير وكذلك سهولة التعامل معها، فالهدف من إقامتها يتجاوز الشأن الثقافي إلى الترويج السياحي وتحسين صورة البلد والعمل على استقطاب الكفاءات المدربة والاستثمارات، لذا نأمل في التفكير بتأسيس مراكز ثقافية عُمانية في البلدان التي يهتم شعوبها بالسفر والسياحة وخاصة في شرق آسيا مثل الصين واليابان وكوريا، وكذلك روسيا والدول الغربية، التي يستطيع مواطنوها السفر والترفيه. فالسلطنة تمتلك ثروات ثقافية يمكن توظيفها كقوى ناعمة في السياسة والثقافة والاقتصاد.