الحوار بالكلمة الطيبة

03 مايو 2023
03 مايو 2023

ما أن تطفو على واجهة وسائل التواصل الاجتماعي ظاهرة سلبية وينتبه الناس إليها ويتم التحذير منها ومن مغبة الوقوع فيها، حتى تأتي وسيلة أخرى لا تقل خبثا عن تلك التي سبقتها، في تسابق محموم من البعض للظهور من خلال تلك الممارسات، دون مراعاة لأبعاد ذلك وأثره السلبي على التماسك الاجتماعي والترابط بين أبناء المجتمع والآثار التي قد تصل إلى أبعد من المستوى المحلي، في حين لا يلاقي من يقدم محتوى جيدا ومتكاملا وهادئا أي قبول أو إعجاب، ولعل ذلك ما دفع الكثيرين من مستخدمي التواصل الاجتماعي خاصة من أولئك الذين يحرصون على الظهور لمجرد الظهور -فقط- دون أي مراعاة لجودة المحتوى أو ضعفه أو آثاره، فنجدهم يندفعون باتجاه تقديم محتوى مثير مهما كان ضعفه والغرض منه.

وقد ساهم الانغماس والخوض في بعض الجوانب وإعطاؤها أكثر من حجمها في بروز خطاب لم يكن سابقا في قاموس يوميات المجتمع العماني، ولكنها أصبحت متداولة على نطاق واسع في عالم افتراضي نصف معرفاته وأسمائه وهمية بتوجهات وآراء لا يمكن الحكم عليها أو معرفتها من خلف ستار (العالم الافتراضي)، وفي حين كان المجتمع يعول على الفئة الأكثر تفتحا وعقلانية وتتحمّل مسؤوليتها في أوساط هذه الوسائل لتقديم محتوى متزن وواضح ومكتمل، إلا أن كثيرا من هذه الفئات خاضت في تيار الإثارة والشعور مبتهجة بسيل (الإعجاب) و(إعادة التغريد) وعدد مرات الاقتباس.

إن موضوع الإثارة واجتزاء بعض الأخبار والتصريحات والانجرار خلف كل ما يثير المجتمع، أخذ منعطفا جديدا في أوساط التواصل الاجتماعي، حيث ظهرت لغة دخيلة على مجتمعنا فيها الكثير من علامات التزمت والغلواء وعدم قبول الآخر أو الحوار معه أو تقبل وجهة نظره وفهمها ، وكل ذلك أوجدته مساحات ضيقة من الحوار لا تكفي لوضع المتلقي أمام المشهد المتكامل والحقيقي والواضح، ومن ذلك المنطلق تبدأ لغة متزمتة بين الأشخاص، قد تصل إلى لغة يرفضها المجتمع العماني، لذلك لم تكن هذه الوسائل في يوم من الأيام وسيلة للحوار أو الحديث في جوانب مهمة، لأن مساحتها أقل مما قد يستوعبه موضوع يثار بكلمات وأحرف معدودة.

الكثير منا يتابع وسائل التواصل الاجتماعي وما يتداول فيها، ومن النادر جدا أن يصل موضوع ذو قيمة فكرية أو علمية لمستوى (الترند)، وتبقى الموضوعات ذات الإثارة والجدلية هي الطاغية دائما، خاصة تلك التي يتم اجتزاء الجانب السلبي منها، ومن المعروف أن أي شي مجتزأ لا يمكن أن يُفهم بالصورة الحقيقية إلا إذا اكتمل، ومع ذلك نجد الكثيرين اليوم يروجون لذلك في دلالة على هزلية ما يروج له وبعده عن الحقيقة.

لقد تطورت الأمم وتقدمت شعوبها حول العالم عبر التبادل الفكري والثقافي والعلمي والحضاري والاستفادة من معارف الآخر وثقافته وتجاربه، ولم يكن الانغلاق إلا علامة من علامات التقهقر والتأخر، والمجتمع العماني عُرف على مر الزمان بانفتاحه على العالم وتقبله للغير والأخذ من علوم وثقافة الأمم المتقدمة والاستفادة منها، ويؤمن بحرية الرأي والمعتقد، وقد أسهمت الطبيعة الجغرافية لسلطنة عمان في هذا الانفتاح كون عمان واقعة على امتداد سواحل تطل على البحار المفتوحة، كما أسهم تنقل العمانيين للتجارة والعمل في تطور فكرهم وتبادل العلم والمعرفة مع شعوب عديدة ، لذلك فإن سمة الانفتاح وتقبل الآخر واحدة من سمات المجتمع العماني.

من هنا، فإن مناقشة الفكر المختلف لا تكون بالكلمة الجارحة لمشاعر الآخرين وخصوصياتهم، والحوار بالكلمة الطيبة هو المفتاح للفهم والتفاهم.