التوزيعات الاستثنائية ليست معيارا

19 مارس 2024
19 مارس 2024

تعد فترة الجمعيات العامة السنوية لشركات المساهمة من أكثر الفترات نشاطا في بورصة مسقط نظرا لقيام الشركات بإقرار توزيعات الأرباح التي أوصت بها مجالس إداراتها وهو ما يدفع المستثمرين الأفراد لشراء أسهم الشركات التي توزع أعلى الأرباح للاستفادة من التوزيعات، وهذا يفتح المجال لمناقشة عدد من القضايا المهمة التي نعتقد أن المستثمرين لا بد أن يركزوا عليها قبل إصدار أوامر الشراء أو البيع.

لعل أبرز هذه القضايا هي أن ينظر المستثمرون إلى مصدر التوزيعات التي تعتزم الشركات دفعها إلى المساهمين، هل هي من الأرباح التي حققتها الشركات خلال العام أو الربع المنصرم؟ أو هي من الأرباح المجمعة؟ فإذا كانت من الأرباح السنوية أو الربعية فإن مستقبل السهم قد يكون واضحا لأن الشركات حققت خلال الفترة الماضية أرباحا مكّنتها من القيام بتوزيع الأرباح على المساهمين، ولكن إن اتجهت الشركات إلى الأرباح المجمعة فإن هذا يثير الكثير من التساؤلات حول الأسباب التي تدفع الشركة إلى ذلك خاصة إذا كان القطاع الذي تعمل فيه الشركة يعاني من تحديات اقتصادية أو إذا كانت الشركة تواجه منافسة شديدة محلية أو خارجية، ثم على المستثمرين أن ينظروا إن كانت التوزيعات تؤثر على خطط النمو التي تمكّن الشركة من المحافظة على مكانتها في القطاع الذي تعمل فيه، بالإضافة إلى خطط الشركة للاستدامة المالية. كل هذه التساؤلات ينبغي أن تكون حاضرة لدى المستثمرين خلال فترة التوزيعات خاصة إذا ارتفع السهم المستهدف بنسبة 100 بالمائة منذ الإعلان عن التوزيعات لأنه قد يهوي بسرعة بعد التوزيعات ولا يتمكن المستثمرون من تحقيق هدفهم من الاستثمار.

ومن القضايا الأخرى أن فترة ما بعد التوزيعات قد تكون هي الفترة الذهبية للأسهم، إذ تتخلص الأسهم خلال هذه الفترة من الضغوطات لتبدأ مرحلة جديدة من النمو، ويعتمد هذا بشكل كبير على النتائج المالية للربع الأول من العام، وهذا ما يجعلنا نلاحظ أن أسهم الشركات المستقرة ماليا لا تتراجع كثيرا بعد التوزيعات لأن نتائج الربع الأول تدعم السهم وتحافظ على استقراره، في حين أن الشركات التي كان أداؤها متواضعا خلال العام السابق يتراجع سهمها بقوة بعد التوزيعات خاصة إذا كان أداء الربع الأول دون مستوى طموح المستثمرين.

ويقودنا هذا للحديث عن العناصر الأساسية التي على المستثمرين التركيز عليها وهم يستثمرون في الأسهم؛ لعل في مقدمتها الأداء المالي للشركة، ومدى تنافسيتها في القطاع الذي تعمل فيه، وقوة الميزانية العمومية، ومستوى حقوق المساهمين والاحتياطيات والأرباح المجمّعة، وتنوع أنشطة الشركة وقدرتها على التخارج من أي استثمار يثبت عدم جدواه، بالإضافة إلى سيولة السهم أي إمكانية قيام المستثمر ببيع السهم بسهولة بعد التوزيعات دون أن يضطر إلى تخفيض سعر البيع إلى مستويات التذبذب.

إن هذه القضايا تؤكد أن هناك العديد من العناصر التي تتحكّم في أسعار الأسهم في فترة ما بعد التوزيعات، فالسهم الذي يرتفع بقوة قبل التوزيعات قد لا يحافظ على نشاطه بعد ذلك خاصة إذا كانت الارتفاعات التي حققتها الأسهم قبل التوزيعات مبالغا فيها، وهي نقطة في غاية الأهمية، وعلى المستثمرين التركيز عليها وهم يبنون محافظهم الاستثمارية، وهكذا نجد أن التوزيعات الاستثنائية التي تدفع الأسهم إلى الصعود الحادّ قد لا تكون معيارا أو مقياسا لأداء الشركة، وعلى المستثمرين ألا يلهثوا خلف هذه الأسهم إلا عندما يتأكدون من قوة الشركة ماليا وقدرتها على مواجهة التحديات المستقبلية.

محمد بن أحمد الشيزاوي كاتب عماني