البُنى الثقافية للولايات.. تنوير واستدامة

21 مارس 2022
21 مارس 2022

إذا كانت اللامركزية تعني منح الإدارة المحلية الصلاحية الإدارية في العمل والتنفيذ، فإن الحوكمة هي المرادف لتطبيق ومراقبة أداء اللامركزية، فلا يُمكن أن تنجح أي سلطة إدارية في عملها دون وجود قوانين وتشريعات تُمكنها من تنفيذ خططها السنوية، إضافة إلى وجود رقابة إدارية ومالية تضبط إيقاع عمل المؤسسات، وتحمي المال العام من الهدر، وتُحافظ على الكادر البشري من الشعور بالغبن والإحباط، وذلك لأجل تحقيق التنمية المحلية المستدامة بأسرع وقت ممكن. ولذا نترقب في الفترة القادمة صدور الأطر القانونية والتشريعية لتطبيق اللامركزية الإدارية في محافظات سلطنة عمان، وإن كانت الفكرة سابقة سياسية في العمل الإداري في سلطنة عُمان، فإنها تُفهم على أنها ترجمة حقيقية لرؤية عمان 2040، ورغبة الدولة في تسريع التطور والنماء في كل الجغرافيا العُمانية، وتحميل المسؤولين، وأبناء المحافظات مهمة استحداث البنى الأساسية الضرورية في الولايات، وتحسين تقديم الخدمات،

فنحن لا نعاني من انعدام الكفاءة الإدارية وإنما من افتقارها إلى التخويل بالتنفيذ والصلاحية اللتين تمنحان الموظف القدرة على الإبداع والإنجاز، وهذا ما نطلبه ونتمنى تحقيقه عند تطبيق اللامركزية الإدارية، التي نأمل منها الحرص على تنفيذ خطة التنمية الخمسية العاشرة، ومنها استحداث بُنى أساسية للأنشطة الثقافية، على سبيل المثال تشييد مجمعات ثقافية مصغرة ومتكاملة في كل ولاية، تضم مكتبة وقاعات محاضرات مجهزة بالوسائل والوسائط الحديثة الناقلة للصوت والصورة، إضافة إلى أروقة لعرض اللوحات الفنية وإقامة المعارض المتعددة، إضافة إلى وجود أمكنة ومرافق في المجمع يُمكن استثمارها مثل تأجير القاعة للمناسبات الوطنية والاجتماعية، وتخصيص مقاهٍ تشغلها أسر الضمان الاجتماعي، وأصحاب الدخل المحدود أو أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ويُمكن من خلالها توفير خدمات لمرتادي المجمع، وتحقيق عائد مالي يسهم في استدامة الأنشطة في المجمع، إضافة إلى إيجاد وظائف لأبناء الولايات في المجمعات الثقافية يمكنها استيعاب الكوادر الوطنية والباحثين عن عمل.

إن وجود المجمع الثقافي في أي ولاية يُعتبر معلما ثقافيا وإضافة جمالية للمدن، إذا توفرت برامج ثقافية وخطط سنوية، تحت مسمى (الأيام الثقافية للولايات)، تُنشطها مجموعة من النخب المثقفة في الولاية، بالاتفاق مع أعضاء المجالس البلدية والشورى، على أن تضع الخطة الاستراتيجية الثقافية كمرجع، لتحقيق بعض الأهداف التي نراها من وجهة نظرنا مهمة في العمل الثقافي، وصنع ذاكرة وطنية لكل ولاية، مثل إيجاد حراك ثقافي وسياحي في المحافظة، ونقل الفعاليات الثقافية إلى خارج حواضر الولايات، وتكوين كوادر شبابية مثقفة، وحصر وتدوين الأدباء والكتاب والباحثين، وتسجيل المفردات الثقافية في كل ولاية، خاصة فيما يتعلق بالتراث اللامادي، ومنح الشباب والشعراء والفنانين منصات لإطلاق إبداعاتهم الأدبية والفنية، وإبراز المعالم الحضارية والثقافية للولاية، على أن تقتصر مدة الفعالية في كل ولاية على ثلاثة أيام في السنة، يُراعى فيها اعتدال الطقس، وارتباط بعض الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية في الولاية بطقوس المواسم، مثل مواسم حصاد التمور، أو مواسم الصيد البحري، أو غيرها من الأنشطة التي يُمكن استثمارها ثقافيا وسياحيا، عبر تنفيذ بعض الفعاليات في المراكز الشبابية والرياضية والثقافية، وأداء بعض الفنون في الساحات العامة أو بالقرب من الأمكنة السياحية والتراثية.

إن الباعث على طرح هذه المقترحات والرؤى، هي التوجهات الحكومية التي نلامسها في أكثر من مجال، إضافة إلى وجود استراتيجيات واضحة المعالم، فتطبيق اللامركزية الإدارية في المحافظات، يمنحنا التفاؤل والأمل على تحقيق بعض المطالب الجوهرية في تقييم الأداء العملي لكل مؤسسة وقطاع، مثل حق الحصول على المعلومة وتداولها، أما المُحفز الآخر لنا فيما يتعلق ببعث البنى الثقافية، فهي الرغبة بتحقيق هدف أنسنة المدن في مجال العلاقة بين الثقافة والمجتمع، ضمن الاستراتيجية الثقافية، التي تعتبر إطارا عاما للشأن الثقافي المحلي.