إلى علي حاردان في ذكراه

23 مايو 2022
23 مايو 2022

ممتعة هي الكتابة إليك يا صديقي مثل لحظات التجلي وبلوغ المُنى أو مثل فرحة الصرب (الربيع). مشاعر مترعة بالمسرة تحيط بي وأنا أنتقي الكلمات وأرتبها في سطور كطرقات الرعاة، أو كصائغ ينظم الجواهر في عقود تُزين أجياد الجميلات.

حقا أنتظر ذكراك لأبعث إليك ما يُعينني على المضي قُدما في دروب الحياة المكتظة بأحلام العابرين. فيض من البوح المتدفق يواكب تشكل السحب الماطرة والأعاصير المتزامنة مع انتصاف نجم الكليل (الشلي)، فبالرغم من قلق العبارات وأثر العبرات، إلا إني أحاول أن أبدو في هيئة المتماسك المُراكم لحُطام الدقائق والذكريات، وكأن شيئا لم يكن في هذا العمر المُشرّع أمام كل الاحتفاءات والخيبات. فلم نُرهق النفس المزهقة أصلا، أو نتباكى على ماضٍ مضى على عجل؟. سنحاول يا صديقي مراكمة السلوان وتبديد الأحزان لعلنا نسلوا لعلَ.

أبعث لك أيها الصديق الأعز مكتوبي عبر جريدة عُمان، الجريدة التي عملتَ بها وكانت مكان تعارفنا، في يوم ما من سنة 2004، حين أتيتك معترضا على سطو أحد المتعاونين مع الجريدة على خبر أعددته لأنشطة مدرسية، وكنت كعادتك تدير المواقف على أكمل وجه، فخرجتُ من مكتبك و لا أدري أن تلك اللحظات كانت عربون محبة وصداقة، وبعد عدة أيام وجدت قصتي منشورة في الصفحة الثقافية لجريدة عُمان، حين سألتني هل لديك محاولات كتابية، فأخبرتك عن بعض القصص والخواطر. وكانت تلك البداية والعلاقة الحميمية مع جريدة عُمان التي دربتني في مكاتبها على عمليات تحرير الخبر وتغطية الفعاليات الثقافية والترفيهية المقامة في مهرجان صلالة السياحي، وكيفية إرسال المواد الإخبارية عبر الفاكس إلى مقر الصحيفة في مسقط. ولا أنسى إشراكي مع كُتّاب الجريدة في مجلة تصدرها مؤسسة عمان للنشر بمناسبة 23 يوليو، وقد لقيت اعتراض بعض زملائك بحجة أنني لست صحفيا أو أعمل في الجريدة. أتذكر كل شيء كأنه حدث البارحة. يا لسلطة الذاكرة حين ترغب في الاحتفاظ بالأحداث على جدرانها كالوشم. هل تعلم أن الكتابة إليك عبر جريدة عُمان تُشعرني بنوع من التصديق بأنها ستصل إليك أسرع من أي وسيلة نشر أخرى، رغم إغلاق المكتب الذي نلتقي فيه، إذ انتقلت الجريدة من مكانها الذي تعرفه إلى مقر الإعلام في حي الشاطئ.

لربما تتساءل عن أحوال الأمة من المحيط إلى الخليج، ولأن حال الأوطان كحال ساكنيها، يحتاج إلى مجرات من الحروف ونجوم من الكلمات للتعبير عنها، أو حتى كمحاولة للاقتراب منها وشرحها ووصفها، لكن إذا أردت أن أبعث إليك ما يسُر فإني أقول إن المصالحة الخليجية قد طمرت الخلافات الخليجية الخليجية، على أمل أن تتوقف الجروح النازفة في اليمن وليبيا وسوريا، وبقية الأوطان العربية. أما فلسطين فهي كالعادة لا جديد سوى عزيمة وصمود شعب الجبارين (الفلسطينيين) في معركة البقاء أمام العصابات الصهيونية. وفي الجانب الآخر تخوض الشعوب العربية معركة مقاومة التطبيع مع الكيان الغاصب، فالشعوب وهي كما تعرف أول الخطوط وآخرها في الدفاع عن الكرامة، لا تزال ترفض فكرة وجود الكيان المحتل، مهما زادت الضغوطات عبر المؤسسات الدولية كالبنك الدولي وغيرها من المراكز الخاضعة للوبيات الصهيونية ومن يتعاطف معها.

لا أدري كيف تفيض الكلمات حين الحديث عن الشؤون والشجون، لربما تجد لديك مساحات من الاستماع والسماع، أنت المسكون بالشأن العربي والهم العربي. وأعيد وأذكرك بآخر الكلمات التي قلتها لي في آخر لقاء بيننا «عندي أمل في شباب الأمة». نعم هي ذاتها الأمة التي قال عنها الشاعر مظفر النواب الذي رحل عنا منذ أيام قليلة:

« لا تخف .. لا تخف .. إننا أمة

لو جهنم صُبت على رأسها واقفة

ما حنى الدهر قامتها أبدا

إنما تنحني لتُعين المقادير

إن سقطت أن تقوم

تتم مهماتها الهادفة»

يقول لنا دانتي: «إن الكلمات لا تكفي.. إن الذاكرة لا تستطيع نقل التجرية إلى كلام، إنها حتى الذاكرة لا تقدر أحيانا على الاحتفاظ بفعل غير منطوق».. وها نحن نحاول تذكير الذاكرة بكلماتك المنطوقة وذكراك التي لا تغيب، أنت الخالد فينا شخصا وشعرا ونصا.