ألوان الاقتصاد

20 فبراير 2024
20 فبراير 2024

وكأنّ الألوان صارت سببًا لتقريب الفهم وعنصرًا من عناصر ترسيخ المفاهيم وتقريب الصورة إلى الاقتصادات المختلفة طبقًا للون المقرّب إليها، ولا أدري تحديدًا من كان السبب وراء تلك التشبيهات والتسميات، لكنّ ما أعرفه أن دول العالم باتت تتعارف على هذه الاقتصادات الجديدة وتتعرف عليها من خلال ألوانها، وقد يكون السبب وراء هذه الرمزية، هو تبسط الفهم وإيجاد الألوان المناسبة التي يكثر استخدامها في ذلك النوع من الاقتصادات. ورغم أن فكرة استخدام الألوان في الاقتصاد شائعة جدًا إلا أن بعض الاقتصادات خرجت عن هذا النمط المألوف ونحَتْ منحى استخدام الأشكال عوضًا عن الألوان مثل الدائرة وبعض الأشكال الهندسية الأخرى.

المهتمون بالاقتصاد عددوا ما يربو على عشرة ألوان رئيسية يمكن استخدامها كرمزية ودلالة على نوعية معينة من الاقتصادات، فابتداءً باللون الأبيض هذا النوع من الاقتصاد يشير إلى اقتصاد البيانات والخوارزميات والشركات الرقمية والناشئة التي يقودها الشباب من جيل الألفية التي يعتمدون فيها على الموارد المتاحة وتعزيز الابتكار، وفي تسمية أخرى للاقتصاد الأبيض فإن البعض يطلقه على قطاعات الخدمات الصحية والرعاية الاجتماعية والمشافي والطبابة، ولعلّ هذا ما يفسّر رمزية اللون الأبيض في استخدامه في المشافي الصحية والمستشفيات، وعلى النقيض من الأبيض هنالك الاقتصاد الأسود ويقصد به الأنشطة الاقتصادية غير القانونية وغير المصرّح بها والتي لا تلتزم بالقوانين والأنظمة المحلية والعالمية، ومن هنا جاء اللون الأسود كون أن ما يحصل من ممارسات غير شرعية تندرج تحت رمزية السواد، وما بين هذين اللونين يأتي الاقتصاد الرمادي الذي يمارس أنشطته بشكل قانوني لكنه بعيد عن أعين السلطات الرقابية مثل التهرب الضريبي أو دفع أجور العمال والتأمين الصحي وهو اقتصاد يقع بين مرتبتي الأبيض والأسود وإن كان البعض يعتبره اقتصادًا مرنًا يسهم في توفير بعض فرص العمل وإن كانت غير منتظمة التشريع.

من بين الألوان الحديثة الملفتة للنظر هو اللون البنفسجي الذي تم إسقاطه على نوع من الاقتصاد يعنى بالتنمية المستدامة مثل الأنشطة المرتبطة بالقضايا الاجتماعية التي تعمل على تحسين حياة الفرد والمجتمع في الخدمات الاجتماعية والثقافية والإنسانية كالتعلم والرعاية الصحية وخدمات المسؤولية الاجتماعية، ويسعى هذا النوع من الاقتصاد إلى تحقيق الجودة في التعليم والصحة، وهو ذاته ما يسعى إليه الاقتصاد البرتقالي الذي يعنى بالصناعات الإبداعية والثقافية والفنية وما تسعى له أيضا الاقتصادات المرتبطة بالبيئة مثل الاقتصاد الأزرق الذي يعنى بالإدارة الجيدة للموارد المائية والبحرية، والاقتصاد الأخضر المرتبط بالبيئة وصونها والمحافظة عليها والحد من المخاطر البيئية والاقتصاد الأصفر المرتبط بإيجاد بدائل عن استخدام غازات الاحتباس الحراري باللجوء إلى الشمس باعتبارها الوسيلة الأفضل والأنجع والأدوم في توليد الطاقة.

كل ما في الحياة تمت أدلجته كي يلائم كلمة اقتصاد، فلم تعد كلمة اقتصاد أو اقتصادي تنسب فقط كما في الماضي إلى من يمتهن أو يحترف أو يمارس الاقتصاد بل إن الاقتصاد بات يدخل في مكونات كل جزئية من جزئيات حياتنا وبات كل شيء مربوطًا بالاقتصاد حتى العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع باتت توسم بأنها من اقتصادات اجتماعية تعنى بدراسة تأثير العمليات الاجتماعية على الأنشطة الاقتصادية، ومع تشرذم الحياة وتشظيها أصبح بالإمكان تسمية أي شيء وربطه بالاقتصاد مثل الاقتصاد الدائري والاقتصاد الخطّي والاقتصاد الإيجابي والاقتصاد الكلي والاقتصاد التقليدي وعدّد ما شئت من أنواع الاقتصاد التي تتزايد وتدخل في حياتنا يومًا بعد آخر.

شخصيا لست من يصف نفسه بالاقتصادي أو العارف بالاقتصاد فما أعرفه لا يتعدى سقف الراتب الشهري وكيفية تصريفه في قنواته المعتادة وما عدا ذلك لا يعنيني شيء من ألوان الاقتصاد أو أشكاله.