أقساط صغيرة .. كلفة كبيرة

مجال الاستشارات المالية أظهر لي صدق مقولة (العلم نور) فغياب الوعي مدمر أيا كان المجال، وكيف أن معلومة بسيطة يمكن أن تنقذ حياة شخص، أو أن تغير مجرى حياته، ربما أكثر ما نلاحظ هذا في الجانب الصحي، حيث التعديل البسيط على النظام الغذائي يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على الصحة، كذلك فإن معلومة واحدة تأتي في الوقت المناسب، يمكن أن تغير مسارك المالي، تماما كما أن غياب هذه المعلومة يمكن أن يؤدي إلى كارثة.

جاءتني فتاة تطلب المساعدة في تسديد ديونها، كانت صدمة بالنسبة لي وأنا أرى حجم الديون التي مضى على البعض منها عقدان من الزمان، ما آلمني فعلًا إجابتها عن سؤالي عما فعلته بهذه المبالغ، وكانت الإجابة أنها حتى لا تذكر، والمؤلم أن هذه الديون كلها مصرفية، من مصرف واحد، عددها أربعة قروض، فهي كلما احتاجت لمبلغ، عوضا عن طلبه من أسرتها ذهبت للمصرف، فهو أسهل على حد تعبيرها، والمصرف لن يعاتبها أو يلومها أو يستوجبها حول الهدف من القرض، كما سيفعل زوجها أو والدها.

لكن المشكلة أن المصرف أيضًا لم يشرح لها الكلفة الحقيقية لهذه القروض، فكل ما عرفته وما بنت عليه قرارها، هو أن القسط سيكون صغيرا جدا، بالكاد ستشعر به، ذلك أنها ستدفعه خلال مدة طويلة، وهي طبعًا لا تعرف بأن القسط الصغير والمدة الطويلة تعني فوائد كبيرة ستتكبدها على المدى الطويل.

لست ضد القروض، هي كما سبق وأسلفت نعمة، نحتاج لأن نلجأ لها أحيانا، لكن لا بد أن نكون على بينة عن ماهية هذه القروض، والكلفة التي ستدفعها مقابلها، وهل تستحق رحلة سياحية أن أدفع لها أضعاف قيمتها باقتراض قيمتها من المصرف.

قالت لي إن موظف المصرف لم يشرح لي هذه العواقب، وهو أمر من النادر أن يقوم به المصرف الذي تأتي نسبة كبيرة من عوائده من القروض الشخصية، التي هي أحد المنتجات الرئيسية للمصارف، لكن هذا لا يعفينا من مسؤولية البحث والتقصي، ودراسة قراراتنا المالية، في النهاية هي أموالي، وأنا من سيدفع كلفتها.