أدب الرحلة.. اقتناص اللحظة وبوح الكلمة

24 يوليو 2023
24 يوليو 2023

أثناء التحضير للدورة التدريبية حول كتابة أدب الرحلات والرجوع إلى المصادر والمراجع المتعلقة بأدب الرحلة، وكذلك بعض الدراسات والمقالات التي أسهمت بها في هذا الأدب، مثل دراسة «ظفار في تحفة النُظّار: قراءة في زيارة ابن بطوطة إلى ظفار» التي قدمتها في المؤتمر الدولي لأدب الرحالة العرب والمسلمين المنعقد في الدوحة في ديسمبر 2010، والذي نظمه المركز العربي للأدب الجغرافي -ارتياد الآفاق-.

وقد تعرفت خلال أيام المؤتمر على المهتمين في أدب الرحلات من العرب والأجانب. بالعودة إلى الدورة التدريبية فقد اتضح من خلال البحث أن القرن السادس الهجري هو بداية التحول في كتابة الرحلات من مجالها العلمي الجغرافي إلى المجال الأدبي، إذ كانت الفترة من بداية القرن الثالث الهجري إلى السادس الهجري، فترة خصبة في تطور العلم الجغرافي عن طريق وصف البلدان والأقطار ومحاولات لرسم صورة ذهنية للبلدان التي يمر بها الرحالة، مستخدمين الكلمات في وصف المشاهد والمناظر والطرقات والمسالك والممرات التي يمرون بها، ويحسب للرحالة العرب والمسلمين ريادتهم في الأدب الجغرافي، ثم تطورت كتابة أدب الرحلات في القرن السادس الهجري إذ أضاف المرتحل يومياته وانطباعاته ومشاعره الشخصية تجاه المدن والحواضر التي مر بها، فسمح السرد للرحلة بالولوج إلى عالم الأدب عبر القص المحكي وطريقة تناوله.

ثم حصل تطور آخر في كتابة الرحلات حيث انتقل الاهتمام بتدوين الرحلات من الشرق إلى المغرب، فأبدع المغاربة -ولا يزالون- في هذا المجال ولا يكاد يذكر أدب الرحلات أو السفر دون ذكر ابن بطوطة محمد بن عبدالله اللواتي، وابن خلدون وغيرهم. أسهم الأدب الجغرافي في إثراء الدراسات الثقافية بالمعلومات والمراجع والمصادر، وفي تكوين صورة عن الذات وعن الآخر، نتج عنها دراسات الغربيين عن الشرق وخاصة عن الإسلام والعرب فيما عرف لاحقا بالاستشراق، إذ وُظِفت المعلومات الخاصة بالبلدان العربية في التمهيد للحملات الاستعمارية التي احتلت البلاد العربية. تطورت الكتابة في الأدب الجغرافي وتوسعت الاهتمامات من التدوين إلى ترجمة الرحلات لأشهر الرحالة الغربيين الذين كتبوا عن البلاد الغربية، فلم يعد الوصف مغريا بل نقل الإحساس بالرحلة إلى القارئ هو الأهم، إذ تعكس الكتابة ثقافة الكاتب وتعمقه في الرؤية والتحليل وربط الأمكنة. وهذا ما يقودنا إلى تساؤل من قبيل «ما الجديد في كتابة الرحلات إن لم تكن انطباعات الكاتب ومشاعره؟». فالعالم اجتاحته وسائل التواصل الحديثة أو بالأحرى كشفته الكاميرا ونقلت الصورة إلى الآخرين، مما يعني أن جل الأمكنة أصبحت مكشوفة أمام الفضول البشري، أما المجهول فهو عوالم النفس التي تستعصي على الحفر، وبما أننا زمنيا نمر بمراحل وإن العمر ما هو إلا رحلة عبر الزمن، فإن الكتابة في هذا المجال تبتعد عن السير الذاتية أو تدوين اليوميات، إلى اقتناص اللحظة واستنطاق الأحاسيس لتفصح عما يدور في تخوم الذات. ونحن نكتب عن أدب الرحلة نُذكّر بأنه المجال الذي نصّب العمانيين على منصات التتويج، إذ حاز الكاتب والشاعر العماني الراحل محمد الحارثي (1962- 2018) على أول جائزة عربية في مجال أدب الرحلات ينظمها مركز ارتياد الآفاق التابع لمؤسسة الشاعر الإماراتي محمد بن أحمد السويدي، وقد فاز الحارثي في الدورة الأولى لجائزة ابن بطوطة 2003م، عن كتابه عين وجناح. ويبقى أدب الرحلات متفردا عن بقية الأجناس الأدبية بتركيزه على الأنا الساردة والكتابة عن الواقع ومحاكة اللذة في ارتياد الآفاق وتحقق حلم السفر.