1229670
1229670
المنوعات

قارئ يسرد تجربته .. سعيد الريامي: أقرأ لأن الكون أوسع وأرحب بكثير من رأسي الصغير

22 يناير 2018
22 يناير 2018

تفرغت لدراسة التاريخ المعاصر ولن أترك كتب الطب -

حاوره:عاصم الشيدي -

ليس غريبا أن يتفرغ طبيب لمدة عام كامل لدراسة التاريخ المعاصر في جامعة أوروبية لا لدراسة حقيقة طبية أو مرحلة وصل إليها تخصصه الطبي فالعلوم الإنسانية مهمة لخلق مبدعين في مجالاتهم المختلفة، بل يرى بعض المفكرين أن مثل هذه الدراسة ضرورية لفهم أعمق للمهن الأخرى.. ليس غريبا أن يكون طبيب مولعا بكتب الأدب والفكر والفلسفة فهذا هو الوضع الصحيح. الدكتور سعيد الريامي من بين القراء النهمين الذين اقتربنا منهم مستطلعين علاقته بالقراءة عن قرب.

• حدثنا عن آخر كتاب قرأته؟

آخر كتاب قرأته كان «بر الحكمان» وهو رواية للكاتب العماني يونس الأخزمي. تدور أحداث الرواية في ولاية محوت ومنطقة صحراء الربع الخالي حيث تختلط حكايات الصحراء بقصص البحر ومغامراته وحيث ينزل البدوي من على ناقته قادما من صحراء الربع الخالي ليركب السفينة متجهاً إلى الهند وساحل إفريقيا الشرقي. ما أدهشني في هذه الرواية ـ بالإضافة إلى الحبكة الروائية الجميلة ـ هو إلمام الكاتب بجغرافية المكان وتاريخه وتفاصيل حياة الإنسان هناك. وقد تأكد لي بعد قراءتها ـ ومن قبلها «جوع العسل» لزهران القاسمي و«نارنجة» لجوخة الحارثي، و«الباغ» لبشرى خلفان - بأننا بتنا نقرأ في عمان أدباً روائياً مقنعا جداً وغنياً.

• إذا بدأت بقراءة كتاب ثم اكتشفت أنه ليس كما توقعت عندما اقتنيته، وقد لا يضيف لك شيئا.. هل تكمل القراءة؟ أم تتوقف وتبحث عن كتاب آخر؟

لا أكمل قراءته بل أضعه جانباً وأبحث عن كتاب آخر. هذه هي متعة القراءة الحرة. فأنا هنا لست أمام منهج دراسي لابد من إكمال جميع مواده وفصوله. بل حتى عندما لا يعجبني فصل في كتاب لا أكمله بل أنتقل إلى الفصل الذي يليه.

• بصراحة.. ماذا تمثل لك القراءة، هل تقرأ من أجل أن تستمتع أو من أجل فهم مختلف للعالم من حولك؟

أقرأ لأجل كل هذا. أقرأ لأن الكون أوسع وأرحب بكثير من رأسي الصغير وما يحويه من أفكار وتجارب محدودة العدد والنوع. ولأن البشر ليسوا فقط أنا وثقافتي. المتعة عند القراءة مهمة جداً بالنسبة لي. فأنا نادراً ما أكمل كتاباً لا يشعرني بالمتعة. والمتعة عندي متعتان: متعة اللغة ومتعة الأفكار. قد أستمر في قراءة كتاب لا يحوي أفكاراً جديدة لمجرد أن أسلوب الكاتب جميل ولغته عذبة. وكم قرأت ـ في المقابل ـ من كتب لغتها صعبة وأسلوب كاتبها معقد لكن الأفكار جديدة وذكية وعميقة. أما الفهم المختلف للعالم فهو نتيجة بالضرورة للقراءة المستمرة الناقدة والواعية.

• هل لديك تخطيط مسبق لما ستقرأ، ولأوقات القراءة يوميا أم الأمور تأتي هكذا حسب وقت الفراغ؟ أم أن للقراءة وقتها اليومي كما أن للأمور الأخرى وقتها؟

بالطبع لدي اهتمامات معينة ومجالات أفضّل القراءة فيها أكثر من غيرها. فبالإضافة إلى الروايات أقرأ التاريخ والفكر الأوروبي والعربي والفلسفة وعلم النفس، لكنني لا أخطط للقراءة مسبقاً. فلا أحدد مواضيع قراءاتي ولا وقتها. عندما كنت طالبا في المدرسة والجامعة كنت أقرأ قبل النوم فقط. وبعد ذلك صرت أقرأ كلما سنحت الفرصة. والآن وقد تغير روتين حياتي اليومي بعد أن تركت الوظيفة الحكومية صار عندي الكثير من الوقت للقراءة.

• هل جربت أن تحصي كم كتابا تقرأ في العام؟

ليس كثيراً. لا أعتقد أنني أقرأ أكثر من عشرين كتاباً جديداً في السنة، أي بمعدل كتابين في الشهر. لكن من عادتي أن أقضي وقتاً طويلاً في مكتبتي المنزلية بين الكتب فأفتح عدداً منها لأعيد قراءة فصل من هذا أو فكرة من ذاك. ولذا تجد على طاولة مكتبي أكواما من الكتب غادرت الأرفف، بعضها قُرِئ كاملاً والبعض الآخر قرأت منها فصولا وبعضها ما يزال ينتظر القراءة.

• لو تحدثنا عن مكتبتك.. حجمها، مثلا، تنوع الكتب فيها؟

مكتبتي هي صديقي الأقدم. فقد كبرت معي وتعددت كتبها وتنوعت بتنوع تجاربي ومراحل حياتي. كما أنها تنقلت معي إلى كل الغرف والبيوت التي سكنتها، وما أكثرها. أيام المدرسة كانت صغيرة تحوي فقط ترجمات عربية لكلاسيكيات الأدب الغربي كالبؤساء وأحدب نوتردام والحرب والسلام وغيرها. ثم بعد أن تمكنت من اللغة الإنجليزية في المرحلة الثانوية صرت أقتني الروايات الإنجليزية.

أما في مرحلة الدراسة الجامعية فلم يكن لدي من الوقت ما يسمح بالكثير من القراءة الحرة. ومع ذلك فهذه المرحلة كانت من أهم مراحل حياتي حيث توسعت اهتماماتي فصرت أقتني كتبا في الفكر والفلسفة وعلم النفس وتاريخ الأديان والعلوم الطبيعية باللغتين العربية والإنجليزية. فكبرت المكتبة. ثم نشأ عندي اهتمام بالتاريخ وخاصة تاريخ عُمان منذ القرن السابع عشر. فزرت معظم مكتبات لندن القديمة واقتنيت الكتب التي صدرت عن عُمان وكثير منها نسخ مستعملة. ثم توسع اهتمامي بالتاريخ من عمان إلى أوروبا وعصر النهضة وأفكارها. فتفرغت سنة لدراسة التاريخ المعاصر في جامعة نوتنجهام. وحالياً عندي مكتبة تاريخية لا بأس بها. كذلك عندي عدد لا بأس به من كتب الموسيقى التي تشكل جانباً مهما من اهتماماتي.

• ما الكتاب الذي قد نتفاجأ لو عرفنا أنك قرأته أو تحب العودة لقراءته؟

من الصعب الإجابة على هذا السؤال. فأنا لا أعرف ما الذي يفاجئكم. أما أنا فلا حدود أبداً للموضوعات التي تحتويها الكتب في مكتبتي.

• هل لديك كاتب مفضل تعود لكتبه باستمرار أو تنتظر إصداراته بشكل مستمر؟

الكُتاب متنوعون بتنوع أشكال كتاباتهم وهم في نظري جيدون أحياناً وسيئون أحياناً أخرى. لذا لا يوجد كاتب محدد أفضله ولكن هناك كتب أحببتها أكثر من غيرها ساعة قراءتها. ومع ذلك فأنا أذكر أنني بعد قراءتي لرواية خالد حسيني «عداء الطائرة الورقية» في عام 2004 ولشدة إعجابي بها وباللغة العذبة التي كتبت بها، انتظرت بفارغ الصبر صدور روايتيه اللاحقتين «ألف شمس مُشرقة» و «رددت الجبال الصدى».

• أين تجد المتعة أكبر عندما تقرأ باللغة العربية أم باللغة الإنجليزية؟

لغتي العربية جيدة فأنا من جيل تلاميذ الكُتاب الذين حفظوا القرآن أو على الأقل أتموا قراءته عدة مرات قبل دخول المدرسة. ولذا فأنا أجد متعة بالغة في قراءة الشعر والأدب العربي بشكل عام. أما الإنجليزية فبالرغم من أنها جاءت متأخرة قليلاً إلا أنني أغرمت بها كثيراً وصرت أمارسها بكثرة قراءة وكتابة وتحدثاً - عزز ذلك دراسة وممارسة الطب. ولذا كادت أن تضعف لغتي الأم وتتوارى خلف حضور الإنجليزية الطاغي، لولا أن تم انتشالها مؤخراً على يد زوجتي فاطمة الشيدية التي تنثال على لسانها العربية الفصحى الجميلة بكل سهولة ويسر حتى خلال حواراتنا اليومية.

• هل قرأت كتابا باللغة العربية ولكنك رأيت أنك تحتاج أن تقرأه بلغته الأم؟

كثيرة هي الكتب المترجمة التي بدأتها بالعربية ثم آثرت إكمالها بالإنجليزية. وأنا الآن نادراً ما أشتري كتباً مترجمة. وأتمنى لو أستطيع القراءة بالفرنسية والإيطالية والألمانية. الترجمة تظلم النص الأصلي كثيراً وتخونه. ومن بين الكتب التي أعدت قراءتها رواية «الأرض الطيبة» لبيرل بك. حيث قرأتها بالعربية مرة لكن متعتي بقراءتها اختلفت عندما أعدت قراءتها باللغة الإنجليزية.

• هل ما زلت تقرأ كتب الطب.. أم تجاوزتها بعد أن تركت الطب للتقاعد؟

تركت الممارسة العملية في تخصصي الطبي (الكيمياء الحيوية الطبية) منذ فترة حين تفرغت للإدارة الطبية. والآن وبعد أن تركت العمل في المجال الطبي كله ما زلت أقوم بتدريس هذه المادة في إحدى الكليات الطبية الخاصة. ولذا فإن قراءتي في مجال تخصصي الطبي ما تزال مستمرة.

• ما الكتاب الذي تعتقد أنك ما تزال مفتونا به حتى اليوم وتحب العودة له بين وقت وآخر؟

فتنت بكتب عديدة وبأفكار معينة في كتب لم تفتني كثيراً. لكني لا أعود عادة لقراءة نفس الكتاب. ربما أعود لزيارة فكرة أو فصل في كتاب. على عكس الأفلام التي أعيد مشاهدة بعضها مرات عديدة. إلا أن هناك كتابا أعود لقراءته دائما وهو مذكرات كارل جوستاف يونج: «ذكريات، أحلام، تأملات» – « Memories, Dreams, Reflections»

• هل حدث وقرأت كتابا جعلك تبكي أو تعيش في حزن لأيام؟

كنت في السابق ينتابني حزن شديد بعد انتهائي من قراءة رواية جميلة وقد أبقى في جو الرواية مرافقاً لشخصياتها لأيام. أما الآن فالشعور الذي ينتابني ليس حزنا بقدر ما هو شعور بالفقد والاغتراب. وهناك شعور آخر أقرب إلى النشوة والاكتفاء عند قراءة كتاب ـ أي كتاب ـ يضيف إلى وعيي فكرة تساعدني على التصالح أكثر مع نفسي ومع العالم.

• ما الكتاب الموجود في مكتبتك وتتمنى أن تجد الوقت لقراءته قريبا.

ليس كتابا واحداً بل عدة كتب في التاريخ والفكر والفلسفة. هناك كتب عن تاريخ عمان والتاريخ العربي وفلسفة التاريخ والفلسفة الوجودية أتمنى أن أجد الوقت لقراءتها ودراستها والتأمل في محتواها.

من خلال قراءتك للروايات هل هناك شخصية روائية تتمنى لو تصادفها في الحقيقة وتعيش إلى جوارها؟

قد لا تكون هذه هي الشخصية الوحيدة الروائية التي أتمنى لقاءها، لكنها الوحيدة الحاضرة في هذه اللحظة. إنها شخصية العم توم في رواية هاريت بيتشر ستو «كوخ العم توم». أتمنى لو أصادفه في الحقيقة ليخبرني عن الحب والسلام الداخلي الذي كان يملأ قلبه والذي واجه به الظلم الذي تعرض له. كثيرون غير توم تعرضوا للظلم وصبروا وعفوا. لكنهم كانوا دائما يفلسفون الحالة ويعطونها أبعاداً فلسفية ودينية، وكانوا كذلك يتألمون ويستجدون الرحمة والعطف. إلا توم فبالرغم من تدينه إلا أنه كان أميا وجاهلا وبسيطا.

• هل تذكر لنا خمسة كتب موجودة على الطاولة القريبة منك ينتظرها دور القراءة؟

أنظر إلى طاولتي فأجد هذه الكتب الخمسة ضمن كتب أخرى:

1.انفجار المشرق العربي – جورج قرم

2.التجربة الدستورية في عمان – بسمة مبارك

3.مشكلة الثقافة – مالك بن نبي

4.Think – Simon Blackburn

5. Fields of Blood – Karen Armstrong

وطبعا عدد لا بأس به من الروايات.