توزيعات الأرباح. ما الذي يحدث؟
لؤي بطاينة -
لأهمية الموضوع والذي سبق وتطرقت له في مقالات سابقة، كان لا بد من العودة والخوض في أهم التحديات التي تواجه الشركات أثناء اتخاذ قرار توزيعات الأرباح وأهمية هذه التوزيعات سواء لسياسة الشركات أو قرارات المستثمرين الاستراتيجية على حد سواء.
لا شك بأن قرب انتهاء العام والحصول بالتالي على نظرة ولو أولية لأداء الشركات ، يعني العمل على وضع الخطط التنفيذية لرؤية هذه الشركات سواء من حيث التوسعات و/أو التوزيعات ومناقشة التحديات التنظيمية والتشغيلية ومدى الالتزام بالخطط الإستراتيجية وماهي الإنجازات أو الأخطاء التي حدثت.
وهنا تخطر العديد من الأسئلة في أذهان المستثمرين على اختلاف أنواعهم وأحجامهم وجنسياتهم منها نسب الأرباح الموزعة و نوعيتها ( نقدية أو سهمية) وهل هي مرحلية أو سنوية وهل سيتم توزيع أرباح من شركات عانت في أدائها التشغيلي وما هي الخطط المستقبلية لسياسة التوزيع.
كذلك، تواجه إدارة الشركات عدة سيناريوهات قبل اتخاذ قرار التوزيع من عدمه مثل ماهية تشكيل ونوعية تلك الأرباح وأيهما أفضل للشركة ومُساهميها، بتوزيع أسهم مجانية و/أو توزيع أرباح نقدية (إن وجدت) أو عدم توزيع أرباح إما لعدم تحقيقها و/أو حاجة الشركة لتلكم الأرباح إما لاستخدامها في سداد قروضها و/أو بإعادة استثمارها في تمويل توسعات واستثمارات استراتيجية جديدة.
عدة وجهات نظر في هذا الصدد، حيث هنالك من يرى بأن على الشركات احتجاز الأرباح وعدم توزيعها لأغراض إعادة استثمارها(تفضلها الشركات الأمريكية)، وهنالك من يرى ضرورة توزيع جزء من الأرباح واحتجاز الجزء المُتبقي ، وآخرون يؤيدون توزيع كافة الأرباح الممكن توزيعها طبقا للقانون، وهنالك أيضاً من يعتقد بأن عملية توزيع الأرباح أو احتجازها لا يؤثر بالضرورة بشكل مُباشر على القيمة السوقية لسهم الشركة، في حين أنه في الوقت نفسه هنالك من يعتقد بأنه كلما زادت نسبة وقيمة التوزيعات النقدية والسهمية كلما ارتفعت القيمة السوقية لسهم تلك الشركة.
بالتأكيد لسياسة توزيع الأرباح أهمية كبيرة بسبب علاقتها مع السياسات التمويلية للشركات والعلاقة المُباشرة بالمُساهمين والمُستثمرين إضافة الى انعكاسات هذه السياسات على أسعار الأسهم وسيولة السوق المالي .
فما هي أهم الاعتبارات والتحديات ( الجديدة) التي تأخذ بها الشركات في سياسة التوزيع ونوعية الأرباح:
• مديونية الشركة: وهنا نتحدث عن نسبة الديون الى حقوق المساهمين وطرق سداد الدين ونوعية الديون من حيث أولوية السداد.
• كلف الفوائد: هي في السياق السابق ذاته، لكن اكتسبت أهمية كبرى مؤخرا بسبب ارتفاع كلف التمويل لمستويات أثرت على السيولة وجعلت خدمة الدين قد تعادل إن لم تتجاوز الأرباح التشغيلية.
• طبيعة عمل الشركة والقطاع المنتمية له: هنالك قطاعات تتمتع بنسب ربحية عالية تمكنها من الحفاظ على مستويات توزيع جيدة.
• التعديلات المحاسبية بسبب تطبيق معايير محاسبية دولية جديدة مما أثر على بنود تتعلق بالإيرادات والتكاليف إضافة الى مخصصات الضرائب وهو الأمر الذي رأيناه جليا في شركات الطاقة.
• ارتفاع ضريبة الشركات مما يؤثر على صافي الأرباح والمخصصات الضريبية وبالتالي أيضا الاستهلاك والإهلاك وأثر ذلك على التدفقات النقدية الحرة.
• تذبذبات أسعار العملات وطرق التحوط المتعلقة بها مما يؤثر على قرارات الشركات ذات طبيعة الأعمال الموزعة جغرافيا أو تلك التي تعتمد على الاستيراد بشكل كبير.
• التذبذبات في أسعار النفط وأثر ذلك على قدرة الحكومة على سداد التزاماتها مما يؤثر على الذمم المدينة للشركات.
• صعوبة الحصول على تمويل متوسط وطويل الأجل لأعمالها التشغيلية والإنتاجية.
• الرؤية الإستراتيجية للشركة
• موافقة الجمعية العمومية والنظام الأساسي للشركة.
• المنافسة والتوسع وارتفاع كلف التشغيل مثل أسعار الطاقة.
• وضع السيولة النقدية بالشركة ومدى قدرتها على الاستغناء عن مبالغ نقدية كبيرة بدون مواجهة أية مشاكل في السيولة و/أو التمويل في الأمد القصير.
• الأوضاع الجيوسياسية
ما هي الآثار المتوقعة على سعر سهم الشركة؟
نعلم بأن سعر السهم هو مرآة لقرارات المستثمرين المبنية على رؤيتهم لما يحدث في الشركة. وعندما نتحدث عن التوزيعات، فإن سعر سهم الشركة يتأثر (إضافة إلى توصية مجلس الإدارة وقرار الجمعية العامة بتوزيع الأرباح) بزيادة أو نقصان نسبة التوزيعات وكذلك بما يتم احتجازه من الأرباح وماهية العائد الذي سيتم تحقيقه مع الأخذ بعين الاعتبار أن زيادة نسبة التوزيعات النقدية قد تؤدي إلى تخفيض مُعدلات النمو للشركة في حال عدم تمكنها من القيام بالتوسعات المطلوبة أو تخفيض كلف الدين لها وهو الأمر الذي سيراه المستثمرون سلبيا على المدى المتوسط والطويل وبالتالي انخفاض سعر سهم الشركة. وبشكل عام، تؤدي زيادة نسبة توزيع الأرباح النقدية الى التأثير إيجابا على سعر السهم بشكل مؤقت (لفترة زمنية قصيرة).
ونظراً لأن الهدف الرئيسي لإدارة أي شركة يتمثل في زيادة قيمة استثمارات المُساهمين والمحافظة عليها من خلال الوصول إلى تقييم عادل ومُتزايد لسعر سهم الشركة وبالتالي زيادة ثرواتهم واستثماراتهم، فإن ذلك يعني اختيار سياسة توزيع أرباح تُحقق توازنا ما بين نسبة الأرباح التي يتم توزيعها على المساهمين وبين مُعدل النمو في الأرباح المتوقعة.
ولا شك بإن قرار توزيع الأرباح يؤدي إلى انخفاض بند النقدية في ميزانية أي شركة وبالتالي سوف سيؤثر على الموجودات المتداولة ويقابله انخفاض رصيد الأرباح المدورة والاحتياطيات في جانب حقوق المساهمين، وهذا بدوره يؤدي إلى التأثير على أنشطة الشركة على المدى القصير ورأس المال العامل، إلا أنه في الوقت ذاته يمثل عائدا نقديا للاستثمار ينتظره غالبية المساهمين.
وكما جرت العادة، يشكل موسم الإعلان عن النتائج السنوية لشركات المُساهمة العامة فترة دراسة وقراءة متأنية من قبل المُستثمرين والمُحللين بهدف معرفة قدرة الشركات على القيام بتوزيع الأرباح وماهية تلك الأرباح وتأثيراتها على المركز المالي لتلك الشركة ومُستقبلها.
ومن الناحية القانونية، فإن قانون الشركات العُماني يشير الى وجوب تقيد مجلس إدارة الشركة بتقديم اقتراحات وتوصيات للجمعية العامة السنوية للشركة تتعلق بنسبة الأرباح المُقترح توزيعها ونوعيتها وعلى الجمعية العامة أخذ ما تراه مناسبا من وجهة نظر المستثمرين شريطة موافقة المساهمين بالأكثرية النسبية.
وفي الختام، هنالك أطر عامة تتحرك الشركات بموجبها عند إقرار التوزيعات تشمل جميع ما ذكر أعلاه. وعند إلقاء نظرة على نسب التوزيعات النقدية التاريخية للشركات المدرجة في السلطنة والتي بلغت في المتوسط 55% للسنتين السابقتين، وعند الأخذ بعين الاعتبار أداء الشركات حتى اللحظة خلال العام الحالي فإننا نتوقع استمرار التوزيع عند نسب قريبة بصرف النظر عن التحديات المستمرة والمتزايدة.
Lbb_65@yahoo.com
