إشراقات

منذر السيفي: التماسك بين فئات المجتمع يجعله أكثر قوة وترابطا

14 نوفمبر 2019
14 نوفمبر 2019

خيانة الوطن أمر تأباه الفطرة السوية ولا يقبله عقل ولا دين -

حــاوره : سالم الحسيني -

«غرس الانتماء إلى الوطن وحبه في قلوب الجيل الحالي يحتاج إلى جهد خصوصاً في ظل انتشار ظاهرة التنمر لديهم ونقد كل شيء وهذا ما يتطلب بذل وتكاتف الجهود للحفاظ على الانتماء الصادق للوطن، ومن الأشياء التي تعين على ذلك تلقين الأبناء منذ الصغر حب الوطن من خلال سرد تاريخ الوطن العظيم ومنجزاته الكبيرة.. ذلك ما أوضحه الحوار التالي مع منذر بن عبدالله السيفي الواعظ الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية، موضحا: أن من الأسس والقواعد المهمة التي من خلالها تسمو المجتمعات ويرتفع شأنها هو تماسكها، وكلّما كان المجتمع متماسكاً بين فئاته وعلى مختلف توجهاتهم وأفكارهم كان أكثر قوة وترابطاً، وقد اهتم الإسلام بجانب غرس المبادئ والأخلاق في نفوس أتباعه.. موضحا: أن من أهم أسباب انحسار الجانب الأخلاقي في كثير من المجتمعات الإسلامية عدم اتباع المنهج القرآني وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم. وأكد أن خيانة الوطن أمر لا يقبله الدين وترفضه الفطرة السوية وتأباه العقول السوية ومحاولة زعزعة الوطن ونزع ثوابته والترويج للشعارات الهدامة يعتبر خروجاً عن المنظومة الإسلامية.. نقرأ المزيد في الحوار التالي:

■ حب الوطن لدى الإنسان شعور فطري.. أين نجد ذلك في الكتاب العزيز وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم؟

إن مما قررته الشريعة الإسلامية وحثت وشجعت عليه ويعد من الفطرة السوية حب الوطن الذي عاش فيه الإنسان ومشى في أرضه وأكل من خيره واستظل بسمائه وإن هذه الحقيقة أحاطتها الشريعة بسياج من الحقوق والواجبات رعاية لمصالح الدين والدنيا معا وقد اقترن حب الوطن عند الإنسان بحب النفس وقد وصف الله ذلك بقوله: (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ)، قال ابن العربي عند قصة سيدنا موسى - عليه السلام – ورجوعه بأهله: «وفي الرجوع إلى الأوطان تقتحم الأغوار وترتكب الأخطار، وتعلل الخواطر»، وقد خاطب النبي صلى الله عليه وسلم مكة المكرمة بعد أن أخرجه منها أهلها: «ما أطيبك من بلد وما أحبك عليّ ولولا أن قومك أخرجوني منك ما سكنت غيرك»، ولما أمر الله خليله وحبيبه بالهجرة إلى المدينة وتنورت أرضها بالمقدم الميمون وأصبحت المدينة مقر إقامة الرسول صلى الله عليه وسلم دعا وقال: «اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد»، ولما وصف الله تعالى الصحابة المهاجرين وصفهم بوصف دقيق يبين فيه أثر الوطن وصعوبة تركه، حيث قال سبحانه: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)، ومن عظيم البلاء الذين ابتلى به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إخراجه من وطنه كما قال العيني: «ابتلى الله نبيه بفراق وطنه» ولما قدم أحد الصحابة مهاجراً من مكة إلى المدينة وأخذ يتحدث الرجل عن مكة وفجاجها والشجر وخياراته والهواء ونسماته قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «دع القلوب تقر أي تسكن فقد تشوق صلى الله عليه وسلم إلى مكة وتذكر خيرها عليه».

سلامة الوطن واستقراره

■ هل هناك ما يوحي بتعزيز أو إنزال عقوبة معينة بمن أخلّ بأمن وطنه وتعامل ضده مع الآخرين؟

جعل الله تعالى عقوبة الخيانة عقوبة مغلّظة إذ أنها من كبائر الذنوب ومرتكبها يستحق العقوبة في الدنيا والأخرة، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ)، وفي الآية قرن الله الخيانة بالكفر والخيانة تعدّ من أشدّ الذنوب في الإثم، والمواطن الحق هو من يشارك إخوانه في الدفاع عن أرض الوطن من أي اعتداء سواء كان هذا الاعتداء من الداخل أو من الخارج قال تعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)، أما فيما يخص حكم خيانة الوطن في الإسلام فيوكل الأمر على الحاكم أو السلطان أو القاضي يقرر العقوبة التي تردع الخائن ولتكون عبرة لكل من تسوّل له نفسه خيانة وطنه وأمته فخيانة الوطن عار لا يمحوه الزمان خصوصاً إذا كانت هذه الخيانة تهدد كيان الوطن وتروّع الآمنين فيه من الكبار والصغار والنساء والرجال، فمن باع وطنه ورضي بحفنة بالية من المال لا يستحق أن يعيش في وطن ويجب أن تنزل عليه أشد العقوبات، فسلامة الوطن واستقراره أمر لا يتساهل فيه. وديننا الحنيف حذر من الخيانة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)، فالخيانة أمر لا يقبله الدين وترفضه الفطرة السوية وتأباه العقول السوية ومحاولة زعزعة الوطن ونزع ثوابته والترويج للشعارات الهدامة أو التنمر من بعض القيادات أو السلطات في البلد بدون أن يكون هناك حوار هادف يخرج منه الجميع بفائدة للمجتمع يعتبر خروجاً عن المنظومة الإسلامية، كما يعتبر خسارة للدين والدنيا، قال صلى الله عليه وسلم: «يطبع المؤمن على كل خلة غير الخيانة والكذب»، ولا يجوز للمسلم أن يؤذي أمته بأي حال ومهما كان الأمر.

وأضاف: قررت بعض الدول عقوبات شديدة لكل خائن لوطنه، ففي بريطانيا الخائن لموطنه يعدم شنقاً، ومن الخائنين الذين أنزلت عليهم عقوبة الإعدام في بريطانيا وليم جويس الذي كان يقوم ببث إذاعي من ألمانيا هدفه الحط من معنويات الشعب البريطاني وتم اعتقاله سنة 1945م وأدين بتهمة الخيانة العظمى، ومعظم الدول تطبق عقوبة الإعدام لكل خائن لوطنه، وفي واقعنا المعاصر نسمع عن الخونة من مسؤولين كبار في بعض الدول يعملون لمصالحهم الخاصة والشخصية ولربما لمصالح دولة أخرى فيهرّبون المعلومات ويحصّلون من وراء ذلك على أموال، مبينا: أن الخائن منبوذ في مجتمعه وأمته لأنه يعمل لأهداف وغايات غير شريفة وها هي الحروب مستمرة في الكر والفر بسبب الحواضن الخائنة التي تقدم الدعم اللوجستي والمادي للخونة، أما الذين سرقوا أموال الشعب وطالت أيديهم المال العام وخانوا أماناتهم ووظيفتهم فيجب أن يحاكموا علناً في محاكم لا ترقب فيهم إلا ولا ذمة وتنزل عليهم أقسى العقوبات بل يجب أن تبتر أيديهم، فالتهاون مع الخائنين يشجّع أصحاب النفوس المريضة على الخيانة والتعدي على المال العام والتخابر مع دول أخرى.

■ ما هو دور الدين الإسلامي الحنيف في غرس القيم وتنمية الشعور لدى الإنسان في حب الوطن؟

من الأسس والقواعد المهمة التي من خلالها تسمو المجتمعات ويرتفع شأنها هو تماسكها، وكلّما كان المجتمع متماسكاً بين فئاته وعلى مختلف توجهاتهم وأفكارهم كان أكثر قوة وترابطاً ودافعيته نحو التقدم، ولا شك أن تطبيق الأخلاق الإسلامية والقيم والمبادئ الرفيعة بين أفراد المجتمع يصبح سلوكاً طبيعياً مألوفاً وداعما أساسيا لتماسك المجتمع وترابطه، والإسلام اهتم بجانب غرس المبادئ والأخلاق في نفوس أتباعه فقد زكّى الله نبيه الكريم بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، مبينا: أن من أهم أسباب انحسار الجانب الأخلاقي في كثير من المجتمعات الإسلامية وعدم ممارستها في الجوانب الحياتية يعود إلى أسباب كثيرة ومتنوعة ومن تلك الأسباب عدم الاقتداء بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وسيرته الشريفة.

وأشار إلى أن كثيرا من علماء المسلمين يحرّمون الاحتفال بالمولد النبوي الشريف ويعتبرون ذلك منكرا عظيما يجب التحذير منه وفي المقابل غضوا الطرف عن كثير من المنكرات والبدع المنتشرة في مجتمعاتهم، وللمرء أن يتساءل لماذا لا يوقفون تنقيط الحروف في المصحف الشريف فإن ذلك بدعة لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم ولماذا لم يوقفوا بناء المحاريب في المساجد فإن ذلك بدعة لم تثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم في حين الاحتفال بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم يذكّر الناس بسيرته ويغرس في قلوبهم الشعور بصدق الانتماء لهذا الدين ويكثر فيه الصلاة على الرسول وهو القائل: «من صلى عليّ مرة صلى الله بها عليه عشراً»، فليس كل بدعة سيئة كما يتوهم بها البعض وإنما بعض البدع فيها خير عظيم ثم إن إبراز القدوات الحسنة في المجتمع وما أعطاهم الله من تطبيق الأخلاق يتأثر بها الناس ويحبوا صاحبها ويحترمون آراءه وأفكاره ولا يعادونه في شيء لأن أخلاقه آسرتهم وأثرت على المتلقي وينبغي على أئمة المساجد وخطبائها أن يغرسوا القيم السامية في نفوس الجماعة فيختاروا ما يناسب من الحديث الحسن والكلمات المؤثرة مبينين أهمية التمسك بالقيم وتعزيزها لدى الناشئة، ولا بد أن يكون قول الله تعالى: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا)، نصب أعيننهم ولا تختلف عنه لحظة واحدة. مشيرا إلى أن من أبرز خطوات تعزيز القيم لدى الناس إبراز نماذج حسنة وناجحة ليتعرفوا من خلالها على قيمهم وجهودهم ونقلهم بعد ذلك إلى مرحلة الإعجاب بهذه الشخصيات والتأثر بها وإخبارهم عن تاريخ بلادهم وما قدمه العلماء والأدباء والساسة من خدمة الوطن والحفاظ على منجزاته.. ولذا يقول أحد المفكرين حول هذا المعنى: «كي يبني المعلمون الشعور بالهدف لدى طلابهم فإنهم يحتاجون أن يبينوا لهم القيم التي تكسبهم حياة سعيدة ومناعة جيدة».

الانتماء الإيجابي

■ كيف نغرس الانتماء الإيجابي للوطن عند الأبناء؟ وكيف نعزز روح المواطنة عندهم؟ وما هو أثر العقيدة في الاستمساك بذلك المبدأ؟

التربية في ظل الظروف الحالية ليست بالأمر السهل، وتغيّر القناعات عند الأجيال ليس بالأمر الهيّن، فلا بد من اتخاذ الأساليب الناجعة للتربية والاستفادة من تجارب الآخرين في هذا الجانب كي تعود بفوائد مثمرة، وغرس الانتماء إلى الوطن وحبه في قلوب الجيل الحالي يحتاج إلى جهد خصوصاً في ظل انتشار ظاهرة التنمر لديهم ونقد كل شيء وهذا ما يتطلب بذل وتكاتف الجهود للحفاظ على الانتماء الصادق للوطن، مشيرا إلى أن من الأشياء التي تعين على ذلك سرد تاريخ الوطن ومنجزاته، فحينما يسمع الولد أو البنت ما قدمه السابقون لهم تشتعل فيهم الهمة ويبذلون كل ما في وسعهم لأجل الحفاظ على منجزات الوطن أو تقديم خدمة لبلدهم تأسيا بأجدادهم، ولابد من الاهتمام بجانب التاريخ نظراً لأهميته وعدم التهاون في طرحه بطريقة سلسة ومبسطة وعلى جهات الاختصاص دعم أولئك المؤلفين الصادقين في توعية الأجيال بقيمة أوطانهم فربطوا كلال ليلهم بكلال نهارهم في البحث والتنقيب عن هذا التاريخ الضارب بجذوره الأعماق وتأسيس مادة في المدارس تعنى بالتاريخ العماني وجهود العمانيين في الداخل والخارج قديماً وحديثاً فتاريخنا مليء بتلك البطولات ودحر العدو من عمان وغيرها من البلدان وعلى المربين جميعا آباء وأمهات ومعلمين ومعلمات وعّاظا ومرشدات أن يضربوا الأمثلة في حب الوطن وتدريبهم على إظهار حبهم لوطنهم وذلك عن طريق حفظ الأناشيد الوطنية الحماسية وحضور المحاضرات والندوات التي تتحدث عن تاريخ عمان وتشجيعهم على عدم الحياء من إبراز حب الوطن في نفوسهم ويعبرون عنه بالكتابة والمشاعر الجياشة وتبسط لهم المفاهيم والمعاني فقد تكون هنالك ألفاظ في حب الوطن محتاجة إلى توضيح وتبيين، وينبغي تدريب الأولاد والبنات على المواطنة فيحبوا أوطانهم ولا يتعدوا على مرفقات الوطن الذي أعطاهم الكثير وليكون لبنة خير لوطنهم ودينهم وأمتهم وأن يكون مثالاً حقيقياً لوطنهم بحيث لا يتنكروا عليه في لحظة ظروف قد يمر بها الوطن فهناك اليوم من أجيالنا من يقارن وطنه بوطن آخر من حيث العيش والوظائف والمال، وينسى أن الوطن هو الذي درسه وعلمه وبذل الأموال الطائلة لأجل تعليمه وعلاجه وراحته والأزمات تمر بها الدول وليس غريباً على أحد تقلبات الأمور فما علينا إلا أن نخلق جيلاً محباً لدينه ووطنه وأمته ليسلم من الشرور ويعيش أهله في سلام.