القدس: الحرب على القدس والمقدسيين تتصاعد
في زاوية أقلام وآراء كتب راسم عبيدات مقالاً بعنوان: الحرب على القدس والمقدسيين تتصاعد، جاء فيه:
الحرب على المدينة وعلى كل أشكال الوجود العربي الفلسطيني فيها والنشاطات والفعاليات والمؤسسات والرموز والشخصيات الوطنية والمجتمعية في مدينة القدس تتصاعد بشكل هستيري وجنوني وغير مسبوق وترافق ذلك مع اعتداءات على المقدسيين وممتلكاتهم وأراضيهم وحتى حرمات بيوتهم من قبل عصابات ما يسمى بتدفيع الثمن الإرهابية، التي تقوم بتنفيذ اعتداءاتها تحت سمع وبصر شرطة الاحتلال، والتي تتصرف وكان الأمور عادية اذا ما تعلق الأمر بالاعتداء على العرب وممتلكاتهم، وربما تقول هذا جيد ويسهم في بث الرعب والخوف في قلوب المقدسيين، ولكن لو تم رشق اسرائيلية بحجر، فتتجند كل أجهزة الاحتلال وأذرعه الأمنية من أجل كشف الذي قام بهذا العمل.
ما حدث من اعتداء ممنهج ومنظم من قبل أكثر من مجموعة من زعران المستوطنين بتمزيق إطارات سيارات ما يقارب مائتي سيارة من سيارات أهالي بلدة شعفاط وخط شعارات عنصرية، تم تنفيذه أكثر من مرة وفي أكثر من مكان في مدينة القدس، وتحقيقات الشرطة لم تقد الى معرفة الفاعلين، وأنا لا أثق بذلك بالمطلق، بل هناك من يوفر الحماية لهؤلاء البلطجية والزعران في قمة الهرمين السياسي والأمني.
ولعل الجميع يتذكر ما تتعرض له بلدة العيسوية منذ يونيو الماضي من عدوان مستمر وعقوبات جماعية، كشف قائد لواء شرطة الاحتلال السابق لمدينة القدس «ميكي ليفي»، أن الهدف منها هو خلق رأي عام اسرائيلي، من أجل إخراج البلدة من ضمن حدود ما يسمى بلدية القدس وتجريد سكانها من الهوية الإسرائيلية المؤقتة «الزرقاء»، وما ينطبق عليها ينطبق على 27 بلدة مقدسية أخرى واقعة في القسم الشرقي من المدينة، أي تطهير عرقي وترسيخ لما يسمى جعل مدينة القدس عاصمة لدولة الاحتلال، عبر تغيير المشهد الكلي فيها وتغيير طابعها الديمغرافي لصالح المستوطنين.
الاحتلال من بعد قرار ترامب بجعل القدس عاصمة لدولة الاحتلال، وردود الفعل العربية والفلسطينية على ذلك، والتي لم تتعد بيانات الشجب والاستنكار والاستجداء على بوابات المؤسسات الدولية المسيطر عليها من قبل امريكا وقوى الغرب الاستعماري، هذه الردود الباهتة وغير المرتقية الى مستوى القرار الأمريكي، فتحت شهية أمريكيا وإسرائيل على التقدم خطوات كبيرة على صعيد تهويد المدينة وقبر حل ما يسمى بالدولتين، حيث كان قرار وزير الخارجية الأمريكي «بومبيو» المتناقض مع قرارات الشرعية الدولية، باعتبار الاستيطان في الضفة الغربية شرعيا، وكذلك سعي نتانياهو من أجل الفوز بالانتخابات الإسرائيلية المبكرة للمرة الثالثة الى ضم الأغوار وتعزيز الاستيطان في قلب مدينة الخليل، والوصول الى تهدئة طويلة مع سلطة حماس في غزة.
لم يستفق المقدسيون من قرارات المستوطن «جلعاد أردان» وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي بإغلاق مكتب التربية والتعليم الفلسطيني في مدينة القدس، تمهيداً لشطب وتصفية المدارس التي تدرس المنهاج الفلسطيني في المدينة وتحديداً المستظلة بمظلة الأوقاف الإسلامية والخاضعة لإشرافها الإداري، وكذلك كمقدمة للسيطرة على المؤسسات التي تشرف عليها وتديرها الأردن من دائرة الأوقاف الإسلامية والمحكمة الشرعية وغيرها وصولاً الى إلغاء وصايتها على المقدسات الإسلامية، واغلاق تلفزيون فلسطين الرسمي ومنعه من البث من المدينة، واعتقال طاقم العاملين فيه، والإفراج عنهم بشروط قاسية، من أجل منع أي رواية غير الرواية الاسرائيلية، وطمس الحقائق التي توثق انتهاكاته وقمعه وتنكيله بالمقدسيين، بالإضافة الى مداهمة وتفتيش المركز العربي الصحي،ومصادرة العديد من وثائقه وأجهزته، والتحقيق مع مديره الإداري.
محافظ القدس عدنان غيث الذي جرى اعتقاله أكثر من 13 مرة وفرض عليه الاحتلال العديد من العقوبات، إقامة جبرية وحبس منزلي والمنع من دخول الضفة، وكذلك المنع من عقد لقاءات واجتماعات والمشاركة في أنشطة وفعاليات، سمح له أردان وزير الأمن الداخلي لدولة الاحتلال، بعد منع لمدة سنة من دخول الضفة الغربية، ولكن هذه الخطوة قابلها قرارات، تحمل في طياتها محاربة ومنع أي شكل من أشكال السيادة والعمل للسلطة ورموزها في مدينة القدس.
نعم الحرب على القدس والمقدسيين تتصاعد بشكل هستيري، في ظل حالة فلسطينية ضعيفة ومنقسمة ومتشظية، ونظام رسمي عربي منهار.
وفي ظل ما تتعرض له القدس من حرب شاملة تطال الإنسان المقدسي في كل مناحي وتفاصيل حياته الاقتصادية والاجتماعية، فلا بد من بناء استراتيجيات فلسطينية تتشارك فيها كل المؤسسات الرسمية والمرجعيات المشكلة باسم القدس، وكذلك الأطر واللجان والمؤسسات المجتمعية والشعبية، من أجل المجابهة والتصدي لمشروع تهويد المدينة وأسرلتها، وهذا يتطلب تقوية اللجان والعمل الشعبي، وتوفير دعم جدي وحقيقي للمدينة، بما يمكن أهلها من الصمود والدفاع عن وجودهم ومدينهم ومقدساتهم ومؤسساتهم، وتشكيل وفود مقدسية تطرق أبواب العالمين العربي والإسلامي من أجل الحصول على دعم مالي وسياسي عربي للمدينة التي يتهددها خطر التهويد والأسرلة، وعلى القيادة من المنظمة والفصائل والأحزاب والسلطتين، أن يمتلكوا الإرادة في مجابهة مخططات ومشاريع تصفية الوجود الفلسطيني في المدينة، بعيداً عن الشعارات الإعلامية و«العنتريات الفارغة» فالقدس تحتاج الى دعم وعمل وسواعد مخلصة وليس مرتجفة.
