القرائن القانونية
د.ناصر بن عبدالله الناعبي -
القرينة في اللغة مأخوذة من المقارنة أو الملازمة أو المصاحبة، واعتبارا لهذا المعنى يطلق على الزوجة القرينة وعلى الزوج القرين، وقد أخذت معظم التشريعات بهذا المعنى في الملازمة والمقارنة للربط بين واقعتين إثباتا أو نفيا في تعريف القرائن.
وبهذا المعنى جاء تعريف القرائن بوجه عام فهي النتائج التي يستخلصها القانون أو القاضي من واقعة معلومة لمعرفة واقعة مجهولة، فهي إذن أدلة غير مباشرة إذ لا يقع الإثبات فيها على الواقعة ذاتها مصدر الحق بل على واقعة أخرى إذا ثبتت أمكن أن يستخلص منها ثبوت الواقعة المراد إثباتها، وهذا ضرب من تحويل الإثبات من محل إلى آخر.
ومن المعلوم لدى فقهاء القانون أن القرائن من أدلة الإثبات التي أخذت بها معظم التشريعات عند عدم وجود الأدلة التي تثبت الواقعة المنشئة للحق المدعى به إثباتا مباشرا إذ قد يتعذر من الناحية العملية الإثبات المباشر في كثير من الحالات وتضيع بذلك كثير من الحقوق.
وعلى هذا فيكون الإثبات بالقرائن مما تقتضيه الضرورة العملية وهو يقوم أساسا على الاحتمال والترجيح ويستند إلى عملية الاستنباط التي لا يؤمن معها الزلل والخطأ؛ لأنه تحويل الإثبات إلى واقعة متصلة بالحق بطريق غير مباشر لا يؤدي ثبوتها إلى حقيقة يقينية بثبوت الواقعة المتنازع عليها، وإنما إلى مجرد الظن الذي يجعل دعوى المدعي قرينة التصديق ويغلب معه صدق المدعي، وهذا هو شأن الإثبات القضائي في أغلب حالاته.
وبهذا تكون القرائن القضائية طريقا إيجابيا من طرق الإثبات ويقبل كقاعدة عامة لإثبات عكس دلالتها أو نفي ما تثبته عملا بمبدأ أساسي في الإثبات يقضي بأن كل دليل يقبل إثبات عكس ما يدل عليه إلا ما يستثنيه المشرع من هذا المبدأ. ويتلخص مما تم ذكره أن للقرائن القضائية عنصرين، وهما من عمل القاضي، أولهما اختيار واقعة ثابتة من بين وقائع الدعوى والثاني عملية استنباط يصل بها إلى ثبوت الواقعة المراد إثباتها.
وعلى أن هناك نوعين من القرائن القانونية، فثمة قرينة قانونية بسيطة أو غير قاطعة في دلالة الإثبات يجوز نقضها بالدليل العكسي وبكل طرق الإثبات، وأخرى قرائن قاطعة في الدلالة وغير قابلة لإثبات العكس، وهناك نوع ثالث من القرائن القانونية القاطعة التي لا تقبل إثبات العكس إلا بطرق معينة حددها القانون ومن أمثلة ذلك القرينة المتعلقة بحجية الورقة الرسمية بالنسبة إلى ما دون فيها من بيانات فهذه لا يجوز نقضها إلا عن طريق التزوير.
