No Image
عمان اليوم

حين يصنع الصوت رأيا عاما كيف تفاعل المجتمع العُماني مع أحداث 2025؟

30 ديسمبر 2025
كتب - شذى البلوشية وجاسم المسقري
30 ديسمبر 2025

تفاعل العُمانيون مع أحداث عام 2025 بشكل كبير وسجلوا آراءهم حول مجمل القضايا التي شغلت العالم والإقليم أو تلك التي شغلت المجتمع العُماني طوال أشهر العام. وكشف التفاعل الإيجابي مع مختلف القضايا علاقة الناس بالمجال العام. الأمر الذي طرح الكثير من الأسلة من قبيل: ماذا يعني أن تتابع؟ ومتى تتحول المتابعة إلى رأي؟ وكيف تُصاغ الأسئلة حين تتداخل السياسة بالحياة اليومية، ويصبح الهاتف نافذة على العالم وعلى البيت في الوقت نفسه؟ 

على امتداد الأشهر، اتضح أن التفاعل لم يعد حكرا على منصات بعينها. الإعلام التقليدي ظلّ حاضرا، لكن المنصات الرقمية صارت مساحة قياس فورية لنبض المجتمع، حينما يغضب، وحينما يتسع تعاطفه، وحتى عندما يناقش بحدة إلى أن يعود إلى هدوئه وهو يحمل أثرا جديدا في الوعي. و«لترند» هنا يشكل ما يمكن أن نعتبره مؤشرا على ما يقلق الناس وما يهمّهم في مجال أمنهم، ومعيشتهم، وصورتهم عن المنطقة، وكيف يرون بلدهم وهو يتعامل مع الملفات الشائكة. 

القضية الفلسطينية لا تغيب 

في السياسة، كانت المنطقة هي العنوان الأكبر لتفاعلات العُمانيين خلال 2025. لم يكن التوتر في الشرق الأوسط، ثم تصاعده بعد الحرب بين إيران وإسرائيل، حدثا بعيدا عن النقاشات العُمانية، فقد ظهر أثره مباشرة في النقاشات اليومية، وفي المنشورات التي لم تنقطع مناصرة للقضية الفلسطينية، ومطالبة بتحقيق السلام وحصول الفلسطينيين على حقوقهم المشروعة. كان ذلك حضورا وجدانيا متكررا، يتجدد مع كل مستجدّ، ويجد له لغة واسعة في الفضاء الرقمي. 

وفي سياق الإقليم ذاته، اتسع التفاعل أيضا حين برزت جهود سلطنة عُمان في سعيها لوقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة وجماعة أنصار الله، وهو ما تمّ في مايو 2025. كان التفاعل في هذا الموضوع مشدودا إلى الفكرة التي يعرفها العُمانيون جيدا: أن السياسة ليست مجرد خطاب خارجي، بل أثرها يصل إلى الاستقرار العام، وإلى صورة البلد وقدرته على فتح مسارات تهدئة وسط مشهد مضطرب. 

المعنى في كرة القدم يسبق النتيجة 

ولأن المجال العام لا يُبنى بالسياسة وحدها، كان للرياضة نصيب واضح في ذاكرة التفاعل. مباريات كأس العرب 2025 في قطر، خصوصا مع بداية البطولة التي جاءت بلقاء المنتخب الوطني مع المنتخب السعودي، أطلقت موجة متابعة واسعة. ورغم الإخفاق في المباراة، ظلّ الجمهور شديد التفاعل والتشجيع والدعم المعنوي عبر مواقع التواصل، مع مطالبات بتحقيق الاستحقاقات القادمة. كانت مباريات المنتخب الوطني في بطولة كأس العرب بمثابة مرآة لطريقة المجتمع في التعبير عن الانتماء، والضغط من أجل تطوير الأداء، والبحث عن معنى يتجاوز الملعب. 

صيف الفواتير 

بعيدا عن السياسة والرياضة، جاءت القضايا الاجتماعية الأكثر تداولا لتكشف الوجه الآخر للتفاعل، همّ المعيشة حين يضغط بلا مقدمات. من أكثر الموضوعات التي شغلت الرأي العام ارتفاع فواتير الكهرباء خلال فصل الصيف. كان النقاش حولها واسعا على شبكات التواصل الاجتماعي، عبّر فيه المواطنون عن قلقهم من زيادة الأعباء المالية. ولم يكن التفاعل أحادي الاتجاه فقد استجابة الجهات المعنية للتفاعل، الأمر الذي شكل تفاعلًا جديدًا، هذه المرة ليس قلقلا وتخوفا وربما احتجاجا فقط، بل متابعة لما بعد كل ذلك، وكأن النقاش كان يريد أن يختبر أثر رأي الناس في بناء القرارات وتطوير الآليات. 

هذه القصة الصغيرة في ظاهرها تختصر كثيرا من ملامح 2025، فالناس لا تكتفي بأن تقول، بل تريد أن ترى. تكتب لتُسائل، وتتابع لتقيس النتيجة، وتعيد التداول حين تشعر أن هناك استجابة تستحق التوثيق. 

فاجعة إزكي 

من أكثر القضايا التي فجّرت تفاعلا واسعا أيضا موضوع السلامة المرورية والنقل المدرسي، خصوصا بعد حادث مأساوي في يوليو 2025، حين اصطدمت حافلة تقل أطفالا في ولاية إزكي بجسم ثابت، مما أدى إلى وفاة 4 وإصابة 12 آخرين. انتشرت الأخبار سريعا، وتصاعد التفاعل تحت وسم «فاجعة إزكي». لكن اللافت لم يكن الحزن وحده؛ بل انتقال الحزن إلى مطالبات واضحة من أجل تعزيز إجراءات السلامة أثناء نقل الطلبة، ومحاسبة المقصرين، واشتراطات صارمة للسائقين. 

وتزامن ذلك مع حضور مقالات في الصحافة المحلية تطالب بتحقيق معايير الأمان للحافلات المدرسية. والتقت المنصات بالصحافة، الأولى تلتقط الانفعال العام وتكثفه، والثانية تحاول أن تمنح السؤال صيغة قابلة للنقاش المؤسسي. وبينهما، يتشكل ضغط اجتماعي عنوانه: لا نريد أن يتكرر ما حدث. 

تفاعل يقرأ المستقبل 

اقتصاديا، بدا عام 2025 محمّلا بأخبار إيجابية في نظر المتفاعلين، خصوصا مع نجاح الحكومة في استعادة التصنيف الاستثماري لسلطنة عُمان لدى وكالات التصنيف الدولية، وتحسن المؤشرات المالية بشكل ملحوظ، وانخفاض الدين العام، واستمرار جهود تنويع الاقتصاد. وارتبط هذا المسار أيضًا بتحقيق إنجازات في قطاع السياحة وسياحة المؤتمرات. 

انعكس ذلك في تفاعل القراء مع الأخبار الاقتصادية بإيجابية، وارتفعت التعليقات التي أشادت بدور الحكومة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي. 

الثقافة والترفيه 

في الجانب الثقافي، تصدر معرض مسقط الدولي للكتاب 2025 «الترند» لدى المهتمين بالثقافة والقراءة. المعنى هنا ليس في كثرة المنشورات وحدها، بل في أن الكتاب ما زال قادرا على أن يصنع لحظة عامة، وأن يصبح حدثا يتشارك الناس صوره وتعليقاته، كما يتشاركون أخبار السياسة والاقتصاد. 

وفي السياق المحلي نفسه، جاءت فعاليات مهرجان «ليالي مسقط» الترفيهي، خلال الفترة من 1 إلى 31 يناير 2025، ضمن أبرز الفعاليات التي شغلت اهتمام المجتمع. هذه النوعية من الأحداث تترك أثرا مختلفا؛ حيث إن تفاعلها غالبا يومي، بصور ومقاطع وتفاصيل صغيرة، لكنها تُنتج شعورا عاما بأن المدينة تتحرك، وأن الناس يجدون مساحة مشتركة للفرح واللقاء. 

وعندما حلّ اليوم الوطني في 20 نوفمبر، بدت المنصات ووسائل الإعلام التقليدية ممتلئة بعبارات التهنئة والفخر بالمنجزات الوطنية، وتوسع التفاعل عبر وسم اليوم الوطني العُماني من داخل سلطنة عُمان وخارجها. وكان واضحا هذا العام أن الاحتفالات والمقالات والملاحق التي صدرت في الصحافة والإعلام العُماني أخذت مسارا تاريخيا، حيث كان العمانيون يحتفلون بتاريخهم وبأسلافهم وما حققوه من إنجازات ضخمة ساهمت في بناء الحضارة العُمانية. 

Image

الطقس ليس خبرا عابرا 

تحجز أخبار الطقس بشكل دائم مساحة كبيرة من اهتمام الصحافة العُمانية ووسائل التواصل الاجتماعي، بل إنها تنفرد بـ«مانشيتات» الصفحات الأولى وهي من بين أكبر الأخبار تداولا على مواقع التواصل الاجتماعي. ومن الأحداث الطبيعية الاستثنائية التي أثارت نقاشًا واسعًا خلال 2025 «منخفض الحج». وتداول المغردون عشرات المقاطع والصور التي وثقت الأمطار والأودية التي أغرقت الشوارع وألحقت أضرارا بالممتلكات، إلى جانب مقاطع إنقاذ قامت بها فرق الإنقاذ والدفاع المدني. وفي الوقت نفسه، ارتفع مستوى النقاش حول جاهزية البنية الأساسية لموسم الأمطار، وفاعلية أنظمة الإنذار المبكر. 

يملك هذا النوع من التفاعل خاصية مختلفة؛ فهو تفاعل عملي جدا.. فالناس لا يكتبون ليعبروا، تتحول الكتابة والمشاركة في هذا النوع من التفاعل إلى تحذير ومشاركة معلومات تفيد في الكثير من الأحيان بتجنب الأخطار وتقليل الخسائر. وبمرور السنوات، صار للهواة وخبراء الطقس العُمانيين دور ملموس عبر منصات التواصل، في نشر التنبيهات ومعلومات الطقس أولا بأول، بما أسهم في رفع الوعي العام وتفادي خسائر أكبر خلال هذه الظروف، خاصة بعد أن تم سن بعض القوانين التي تحدد آليات التفاعل وأدواته. 

أرقام وتفاعلات وأثر 

ضمن هذا المشهد الواسع، كان لقراء جريدة «عُمان» حضورهم أيضًا. تصدرت الأخبار المتعلقة بجلالة السلطان معدلات مشاهدة تجاوزت 100 ألف مشاهدة. وفي الاقتصاد، برزت الموضوعات المرتبطة بالاتفاقيات وتطوير المشاريع والتحولات الخدمية. وفي الثقافة والفن، جاءت المشاهدات الأعلى حول المسلسل الرمضاني «المديونير»، إلى جانب تفاعل مع ملفات ثقافية متصلة بالهُوية، أبرزها اعتراف وتسجيل اليونسكو لـ«النونية الكبرى». 

وعلى منصات الجريدة، ظهرت خريطة متنوعة لما يتوقف عندها الجمهور: في منصة «إكس» كانت من أعلى المشاهدات مواد تتعلق بالأخبار والأحداث المحلية، ومنها الحوار الصحفي بعنوان «تنمية نفط عُمان تجني ثمار رحلة التحول المؤسسي»، وكذلك الحوار مع مراسل الحرب أسعد طه. وفي «يوتيوب» سجل موضوع «بعد تصدّع منازلهم.. الحكومة تستجيب لمطالبات أهالي مندع» مشاهدات عالية. وفي «إنستجرام» كان المحتوى الأعلى مشاهدة «ظاهرة التلألؤ البيولوجي في سواحل سلطنة عُمان»، تلاه تقرير مصور حول المهرجان السينمائي الخليجي، ثم منشور مجمع السيد طارق بن تيمور الثقافي. أما في «فيسبوك» فكانت المشاهدات الأعلى مرتبطة بإصدار البنك المركزي ورقة نقدية تذكارية من البوليمر فئة «ريال واحد». 

تكشف هذه التفاصيل كيف يتوزع اهتمام الناس بين السياسة والهوية والخدمات والظواهر الطبيعية والاقتصاد والقصص الإنسانية. وتوضح أن الجمهور لا يتحرك في اتجاه واحد: قد يقرأ خبرا يتعلق بأحد أنشطة صاحب الجلالة السلطان المعظم ثم ينتقل إلى قصة عن منازل متصدعة، ثم إلى ظاهرة طبيعية على الساحل. المجال العام هنا ليس خطا مستقيما، بل شبكة اهتمامات تتقاطع وفق ما يلامس حياة الناس وفضولهم وأسئلتهم. 

ما الذي يقوله هذا العام عن المجتمع؟ 

مع نهاية 2025، تظهر صورة مجتمع يتفاعل بأسلوب واعٍ ومتزن، وفق ما عكسته المشاهد التي مرّت خلال العام: تفاعل مع قضايا عالمية وعربية ومحلية، ثم تحويل هذا التفاعل إلى نقاش حول السلامة والخدمات والبنية التحتية والهوية. وفي القلب من ذلك كله، يظل السؤال مفتوحا: ما المسار الذي ينبغي نهجه مستقبلا لضمان أن تبقى القضايا العامة جزءا من تماسك المجتمع لا من انقسامه؟ وكيف تُدار الرسالة العامة بحيث يكون حضورها إيجابيا، يعكس تطلعات الناس، ويستثمر طاقة الحوار بدل أن يبددها؟ 

اللافت في 2025 أن «الصوت» تجاوز ظاهرة الانفعال وصار أداة قياس، وضغط، ومساءلة، وأحيانا احتفاء. وفي كل مرة يتشكل فيها رأي عام حول قضية، تظهر حقيقة بسيطة أن المجتمع الذي يناقش هو مجتمع يراقب نفسه أيضا، ويحاول أن يرى صورته في مرآة ما يحدث، لا بوصفها صورة نهائية، بل بوصفها عملا مستمرا على الوعي.