بحث عماني عن صناديق الريت في دول الخليج ينال جائزة ضمن أفضل أوراق بحثية في مؤتمر دولي بأبوظبي
حقق بحث علمي شارك في تقديمه الدكتورة آمنة بنت محمد الرحيلي والمهندس ميسّر علي محمد الكمزاري إنجازًا لافتًا، بحصولهما على جائزة (أفضل ورقة بحثية) ضمن فعاليات المؤتمر الدولي الثالث لتعزيز مستقبل أكثر استدامة، الذي نظمته جامعة أبوظبي خلال شهر ديسمبر 2025م وبمشاركة نخبة من الخبراء العالميين وصنّاع القرار والباحثين لاستكشاف حلول تجمع بين التكنولوجيا والمجتمع والبيئة، حيث ينسجم المؤتمر مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.
تنويع الاقتصاد
وجاءت الجائزة عن بحث علمي بعنوان: (صناديق الاستثمار العقاري المتداولة «الريت» في دول الخليج: ممارسات أعمال مستدامة ضمن مستقبل تمويل العقار)، قدّم قراءة علمية منظّمة لتطوّر أدوات تمويل العقار عبر صناديق الريت، وربطها بأجندات تنويع الاقتصاد وتعميق أسواق المال في المنطقة، مع التركيز على سبل استثمار النمو الحاصل عبر تعزيز الكفاءة الاستثمارية دون إغفال الحوكمة والأثر الاجتماعي.
كما تناول البحث التحولات التي شهدتها صناديق الريت عالميًا، إذ تشير بيانات متخصصة إلى وجود أكثر من 1000 صندوق ريت مدرج عالميًا بقيمة سوقية مجمعة تتجاوز 2 تريليون دولار (حتى عام 2024)، بالتوازي مع تنامي الاهتمام بهذه الصناديق في دول مجلس التعاون خلال السنوات الأخيرة. كما ناقشت الورقة مؤشرات نمو سوق الريت في دول مجلس التعاون، حيث تشير تقديرات سوقية إلى أن حجم السوق مرشح للارتفاع من نحو 10 مليارات دولار في 2024 إلى أكثر من 15 مليار دولار خلال السنوات القليلة القادمة، بمعدل نمو سنوي مركب يقارب 8%، بما يعكس حاجة متنامية إلى مواصلة تطوير البيئة التنظيمية وآليات التنفيذ بما يواكب هذا النمو ويعزز استدامته.
التشريعات الخليجية
وسلّطت الورقة الضوء على تحديات رئيسية في المنطقة، من أبرزها تفاوت الأطر التنظيمية في سوق لا يزال في طور النضج، وتباين مستويات مشاركة المستثمرين الأفراد، والحاجة إلى مزيد من التطوير في تكامل التشريعات الخليجية بما يتناسب مع حجم السوق وتوسّعه، إلى جانب تعزيز الحوكمة والشفافية وتوحيد منهجيات التقييم، وربط الإفصاحات والتقارير بمؤشرات الاستدامة لضمان توازن العائد مع الأثر البيئي والاجتماعي.
وفي المقابل، أبرزت الورقة الفرص التي تتيحها هذه الصناديق لتوسيع المشاركة العقارية وتعميق الربط بين الأسواق الخليجية، بما يدعم بناء سوق أكثر تكاملًا وفعالية. كما أكدت الورقة أن الفرصة مواتية لتسريع نمو الريت كأداة تمويل عقاري مستدامة تعظّم العائد وتوسّع الأثر على الاقتصاد والمجتمع.
تنويع المحافظ
واعتمد الباحثان في تفسير هذه القضايا على مداخل حوكمة الشركات، والنظرية المؤسسية، ونظرية أصحاب المصلحة، مع الاستفادة من مفهوم الوقف بوصفه مفهومًا متأصلًا في المجتمعات الخليجية كـ**(عدسة تفسيرية)** تُبرز معاني الرعاية والأمانة والاستدامة طويلة الأجل في ملكية الأصول ذات النفع العام، وربط ذلك بإمكانات تطوير نماذج ريت في المنطقة تعزز البعد الاجتماعي دون الإخلال بهدف العائد الاستثماري.
واختتمت الورقة بأجندة سياسات عملية لصنّاع القرار والجهات المنظمة، ركزت على تعزيز معايير الحوكمة وحماية المستثمرين، وتوسيع المشاركة ورفع الشمول المالي، وتشجيع تنويع المحافظ نحو أصول ذات أثر اجتماعي، إلى جانب تصميم خرائط طريق للأسواق الأقل تطورًا في بعض دول الخليج للاستفادة من هياكل صناديق الريت بشكلها الأمثل في بناء سوق أكثر عمقًا وتنافسية.
ممارسات تشغيلية
وقالت الدكتورة آمنة بنت محمد الرحيلي من جامعة السلطان قابوس: تُظهر نتائج الدراسة أن نجاح صناديق الريت لا يُقاس فقط بحجم العائد أو نمو القيمة السوقية، بل يرتكز على جودة الحوكمة، وشفافية الإفصاح، ووضوح الأهداف طويلة الأجل، ومنهجيات التقييم؛ لأنها عناصر تصنع الثقة، وتحدّ من المخاطر، وتُحسّن كفاءة القرار الاستثماري، وهو ما يحتاجه السوق حاليًا.
كما أن ربط أداء الصناديق بمؤشرات الاستدامة، كمنهج تقارير وممارسات تشغيلية، يعزز تنافسية الأصول على المدى الطويل، ويوجه الاستثمار نحو مشاريع ذات أثر ملموس. ومع اتساع انتشار هذه الصناديق في المنطقة، تبرز أهمية تعزيز التمكين الاستثماري للأفراد ورفع مستوى المشاركة، خصوصًا أن كثيرًا من الأطر التنظيمية تلزم بتوزيع نسبة كبيرة من الأرباح على المساهمين، بما يربطهم بمشاريع في محيطهم ويعزز مفهوم الشراكة المجتمعية.
من جانبه، أكد المهندس ميسّر علي الكمزاري، باحث دكتوراه في إدارة الأعمال بالكلية الحديثة للتجارة والعلوم، قائلًا: إن الفكرة الجوهرية لصناديق الريت تاريخيًا كانت إتاحة الاستثمار العقاري المُدرّ للدخل لصغار المستثمرين، وتعزيز السيولة، وكسر احتكار رأس المال، وهو منطق تتجدد الحاجة إليه اليوم في المنطقة، لا سيما مع اتساع حجم السوق العقاري وتنامي المشاريع الكبرى.
وأضاف: ما نطرحه هو أن الريت يمكن أن يكون أداة لبناء سوق أكثر عمقًا إذا اقترن بحوكمة قوية، وشفافية أعلى، وإدارة مخاطر فعّالة، مع توسيع المشاركة ورفع الشمول المالي. كما أن استلهام (منطق الوقف) يمكن أن يعزز البعد الاجتماعي طويل الأجل دون الإخلال بهدف العائد، عبر تنويع الأصول نحو مرافق تعليمية وصحية ومشاريع مدرّة للدخل تخدم المجتمع، وبحلول تخفض عتبة الدخول مثل الاستثمار الجزئي وخطط الادخار الدورية. ونأمل أن تبادر دول الخليج إلى تطوير الأطر التي تعزز هذا النمو بما ينسجم مع خصوصية المنطقة واستعداد أسواقها.
