هجوم سيدني واستغلال مفهوم معاداة السامية
17 ديسمبر 2025
ترجمة: بدر الظفري
17 ديسمبر 2025
استخلص رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الاستنتاج الخطأ تمامًا من الهجوم الإرهابي الذي وقع يوم الأحد على شاطئ بونداي، ويبدو أن القادة ووسائل الإعلام في الغرب يتبنون مرة أخرى منطقه الملتوي.
وكما كان متوقعًا، سعى نتنياهو إلى استغلال الهجوم ـ الذي قُتل فيه أكثر من اثني عشر شخصًا على يد مسلحَين خلال احتفال بعيد «حانوكا»، وهو عيد يهودي، في سيدني ـ لتبرير، بشكل ضمني، قتل إسرائيل وتشويهها لعشرات الآلاف من الأطفال في غزة على مدى العامين الماضيين.
وقال نتنيهو إنه كان قد وجّه رسالة قبل أشهر إلى رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيزي، حمّله فيها المسؤولية لا عن الفشل المزعوم في مواجهة معاداة السامية في بلاده فحسب، بل عن تأجيجها أيضًا عبر الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
ونقلًا عن الرسالة، قال: «إن دعوتكم لإقامة دولة فلسطينية تصبّ الزيت على نار معاداة السامية. إنها تكافئ إرهابيي حماس، وتشجّع من يهددون يهود أستراليا، وتغذّي كراهية اليهود التي باتت تجوب شوارعكم».
وبعبارة أخرى، يحمّل نتنياهو أي قائد سياسي يقدّم تنازلًا ـ ولو كان رمزيًا ـ للشعب الفلسطيني، مسؤوليةَ أي عنف يُوجَّه ضد اليهود. وهو يفعل ذلك حتى لو كان هذا «التنازل» متوافقًا مع القانون الدولي، ومع حكم حديث لمحكمة العدل الدولية، وهي أعلى هيئة قضائية تابعة للأمم المتحدة، يطالب إسرائيل بإنهاء احتلالها غير القانوني للأراضي الفلسطينية فورًا، بما في ذلك غزة.
وهذا المنطق يضع عددًا كبيرًا من قادة العالم في مرمى نتنياهو، من بينهم رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء الكندي مارك كارني، إلى جانب قادة إيرلندا وإسبانيا والبرتغال وبلجيكا والنرويج، الذين اعترفوا جميعًا مؤخرًا بالدولة الفلسطينية.
وقد يتخيّل المرء أنهم سيسارعون إلى رفض ربط نتنياهو بين القتل في أستراليا والاعتراف بالحقوق الفلسطينية. فهو، عمليًا، يقول إن أي محاولة ـ مهما كانت محدودة ـ لتخفيف معاناة الفلسطينيين ستؤدي حتمًا إلى هجمات على اليهود. وبناءً على هذا المنطق، ينبغي للغرب إذًا أن يترك الفلسطينيين يعانون إلى الأبد.
لكن، وكأنهم أسرى لمتلازمة ستوكهولم، وهي حالة نفسية يتعاطف فيها الضحية مع الجهة المعتدية، يبدو القادة الغربيون مستعدين تمامًا لتبنّي منطق نتنياهو المعكوس. وحتى ألبانيزي نفسه، الذي حمّله نتنياهو مباشرة مسؤولية القتل، اكتفى برفض ضعيف للاتهام، قائلًا إن «الغالبية الساحقة من دول العالم ترى أن حل الدولتين هو الطريق إلى الأمام في الشرق الأوسط».
إنّ أول ما ينبغي التوقف عنده هو الحقيقة المدهشة المتمثلة في أن حجج نتنياهو بشأن هجوم شاطئ بونداي تحظى بتغطية متعاطفة إلى هذا الحد في الإعلام الغربي. فهو ليس طرفًا محايدًا، رغم أن التغطية الإعلامية توحي بعكس ذلك.
ففي أعقاب الهجوم مباشرة، سارعت صحيفتان أمريكيتان كبيرتان ـ صحيفة نيويورك تايمز ومجلة ذي أتلانتيك ـ إلى نشر مقالات تردّد صدى نتنياهو، ملمّحة إلى وجود صلة بين الدفاع عن العدالة الفلسطينية والإرهاب المعادي لليهود.
كما أتاحت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) وصحيفة الجارديان وغيرها من المنصات الإعلامية مساحة للّوبيات المؤيدة لإسرائيل، التي سعت بدورها إلى ربط الاحتجاجات المناهضة للإبادة الجماعية خلال العامين الماضيين بالهجوم الذي وقع في سيدني.
وتجمع منظمات حقوق الإنسان الدولية، وخبراء قانونيون في الأمم المتحدة، وباحثون متخصصون في دراسات الإبادة الجماعية، على أن نتنياهو أشرف على إبادة جماعية استمرت عامين في غزة. وهو نفسه مطلوب للمحاكمة بتهم جرائم ضد الإنسانية أمام المحكمة الجنائية الدولية، من بينها استخدام التجويع سلاحًا في الحرب ضد سكان القطاع.
ومع ذلك، يُمنَح هذا المشتبه به في ارتكاب جرائم حرب ـ الهارب من العدالة ـ منبرًا في كل وسيلة إعلام غربية تقريبًا، ليقلب الحقائق رأسًا على عقب، ويلقي باللوم على الآخرين فيما يسميه «أزمة معاداة السامية» كان هو نفسه أحد أبرز من غذّاها. فالمجرم لا يُسمح له فقط بالإفلات من العقاب، بل يُمنح أيضًا حق تحديد من يجب أن يُحاكم.
لاحظوا كذلك ردود فعل القادة الغربيين. لقد كانوا سريعين في إدانة الهجوم الإرهابي المعادي لليهود، وكم كانت أصواتهم عالية، مقارنةً بترددهم، على مدى عامين كاملين، حتى في الاعتراف بأن عشرات الآلاف من الفلسطينيين قُتلوا، وأن مليوني إنسان يتعرضون للتجويع.
ويبدو هذا مرة أخرى أقرب إلى عنصرية غربية متجذّرة ضد الفلسطينيين والعرب والمسلمين، منه إلى مشكلة معاداة سامية في الغرب، كما يدّعي نتنياهو.
إن رفض منطق نتنياهو المعيب، والسعي إلى البحث عن الأسباب الحقيقية لمثل هذا العنف، لا يبرّر هجوم شاطئ بونداي بأي حال. لكن تشخيص الأسباب تشخيصًا خاطئًا ـ كما يفضّل نتنياهو ـ يعني أن الجروح التي أدّت إلى هذا العنف ستظل مفتوحة ومتقيّحة. وهناك ما يدعو للاعتقاد، كما سنرى، أن هذا تحديدًا ما يريده رئيس الوزراء الإسرائيلي.
إن منطق نتنياهو العبثي ـ القائل إن الالتزام بالقانون الدولي فيما يخص فلسطين يؤدي إلى العنف ضد اليهود ـ لا يصبح مفهومًا إلا لأن القادة الغربيين تواطؤوا لسنوات على ترسيخ سردية تخلط عمدًا بين انتقاد إسرائيل وكراهية اليهود.
وسارع الحاخام الأكبر في بريطانيا، إفرايم ميرفيس، إلى ترديد هذا الطرح، إذ قال لهيئة الإذاعة البريطانية إن هجوم شاطئ بونداي جاء نتيجة «شيطنة إسرائيل»، داعيًا إلى تشديد القوانين والإجراءات الأمنية ضد الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل.
وهذا هو الحاخام الأكبر نفسه الذي خلص، في مطلع عام 2024، حين كان عدد الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل في غزة قد بلغ بالفعل 23 ألفًا، إلى القول: «إن ما تفعله إسرائيل هو أروع ما يمكن لدولة محترمة ومسؤولة أن تفعله من أجل مواطنيها».
وقد أشاد بالجنود الإسرائيليين في غزة بوصفهم «جنودنا الأبطال»، متناسيًا ـ على ما يبدو ـ أنه الحاخام الأكبر في بريطانيا، لا في إسرائيل. وبهذا، خلط عمدًا بين اليهود بوصفهم جماعة دينية، وإسرائيل بوصفها دولة، وهو أمر كان سيُدان بوصفه معاداة للسامية لو صدر عن أي ناقد لإسرائيل.
والواقع أن إسرائيل سعت، منذ البداية، إلى تقديم نفسها باعتبارها ممثّلًا لمصالح اليهود في كل مكان، بما في ذلك اليهود الذين يحملون جنسيات دول أخرى، وحتى أولئك ـ وهم عدد كبير ـ الذين يرفضون الاعتراف بشرعية مشروعها القائم على التفوق العرقي.
وقد حقق القادة الإسرائيليون مبتغاهم في السنوات الأخيرة، مع التبنّي الواسع لتعريف جديد لمعاداة السامية، صاغته منظمة مؤيدة لإسرائيل تُدعى التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست. ويقدّم هذا التعريف ـ الذي تعرّض لانتقادات واسعة ـ أحد عشر مثالًا لما يُعد «معاداة للسامية»، سبعةٌ منها لا تتعلق بكراهية اليهود، بل بانتقاد إسرائيل.
وقد فتح هذا التصور الراديكالي الجديد لمعنى معاداة السامية الباب على مصراعيه ـ تمامًا كما كان يأمل نتنياهو وغيره ـ للادعاء بأن معاداة السامية باتت مشكلة متفاقمة في المجتمعات الغربية، وتتطلب إجراءات صارمة لمواجهتها.
وبموجب هذا المنطق، كلما ازدادت قسوة إسرائيل ونتنياهو في معاملة الفلسطينيين ـ بما في ذلك ارتكاب إبادة جماعية في غزة ـ تمكنت جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل من التلويح باستطلاعات رأي تُظهر «ارتفاعًا حادًا» في معاداة السامية.
لكن هذا النوع من «معاداة السامية» لم يكن، في الغالب، نابعًا من تحيّز ضد اليهود. بل كان تعبيرًا عن غضب من دولة عنيفة، شديدة العسكرة، منفلتة من أي مساءلة، تضطهد الفلسطينيين وتقتلهم باسم اليهود في كل مكان.
فعلى سبيل المثال، وفي عام 2024، وفي ذروة إبادة غزة، أجرت رابطة مكافحة التشهير- وهي جماعة ضغط أمريكية بارزة مؤيدة لإسرائيل ـ استطلاعًا رصد 9354 «حادثة معاداة للسامية» في الولايات المتحدة، وهو أعلى رقم منذ بدء التوثيق عام 1979. لكن التفصيل الأهم رُكِنَ في الهامش، إذ تبيّن للمرة الأولى أن أغلبية واضحة من تلك الحوادث «تضمنت عناصر مرتبطة بإسرائيل أو بالصهيونية» ـ أي الأيديولوجيا القائمة على التفوق العرقي اليهودي، والتي تُستخدم لتبرير اضطهاد إسرائيل الطويل للفلسطينيين.
وبعبارة أخرى، فإن غالبية هذه الحوادث لم تكن لتُعد معاداة للسامية قبل اعتماد تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست.
وبالمثل، أفادت هيئة الإذاعة البريطانية هذا الأسبوع بأن صندوق أمن الجالية اليهودية في بريطانيا، وهو أيضًا منظمة مؤيدة لإسرائيل، سجّل مستويات قياسية من «الجرائم المعادية لليهود» باستخدام التعريف نفسه، مشيرًا إلى أن هذا الارتفاع «بدأ مباشرة بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023».
وأشار الصندوق في تقريره لعام 2024 إلى أن 52% من أصل 3528 «حادثة معاداة للسامية» كانت مجرد «خطاب» مرتبط مباشرة بإسرائيل أو بغزة أو بهجوم 7 أكتوبر أو بالحرب اللاحقة في الشرق الأوسط. وقد بلغ عدد هذه الحالات الخطابية 1844، مقارنة بـ246 فقط في عام 2022.
ومع تحويل المشاعر المناهضة لإسرائيل إلى «معاداة للسامية»، كان من الحتمي أن ترتفع «معاداة السامية» خلال الإبادة في غزة. فالأشخاص ذوو الضمير الأخلاقي يعارضون الإبادة الجماعية. وكان سيكون صادمًا حقًا لو لم ترتفع «معاداة السامية» وفق هذا التعريف المفرغ من مضمونه.
لقد أثبت تفريغ مفهوم معاداة السامية من معناه الحقيقي فائدته خلال العامين الماضيين. فمن خلال الخلط بين انتقاد إسرائيل ومعاداة السامية، بات بوسع إسرائيل ولوبياتها والحكومات الغربية ووسائل الإعلام أن تخلط، في الوقت نفسه، بين الاحتجاجات المشروعة تمامًا على جرائم إسرائيل، وبين الإرهاب غير المبرَّر ضد اليهود.
وقد كان نتنيهو حريصًا على تحميل وسائل التواصل الاجتماعي مسؤولية تصاعد هذا الشكل الجديد من «معاداة السامية»، لأن هذه الوسائل، للمرة الأولى، أتاحت للفلسطينيين وحلفائهم بثّ عنصرية إسرائيل وبلطجتها مباشرة أمام العالم.
ولا غرابة في أن يؤدي انكشاف الإجرام الإسرائيلي على نطاق أوسع إلى تصاعد المشاعر المناهضة لإسرائيل، ولا سيما بين الشباب في الغرب. كما غذّى ذلك شعورًا متزايدًا بضرورة الضغط على الحكومات الغربية لإنهاء تواطئها النشط في الإبادة.
لكن هذه الدافعية الأخلاقية والصحية والديمقراطية تُدان فورًا بوصفها «أزمة معاداة للسامية» تستوجب إجراءات عاجلة. وكان ميرفيس في طليعة من سعوا هذا الأسبوع إلى توظيف هجوم شاطئ بونداي سياسيًا، مطالبًا بسحق الاحتجاجات المناهضة للإبادة، أو ما سمّاه «تدويل الانتفاضة». وقال لهيئة الإذاعة البريطانية: «ما معنى - تدويل الانتفاضة- ؟ سأخبركم بالمعنى... إنه ما حدث أمس في شاطئ بونداي».
في الواقع، فإن كلمة «انتفاضة» استخدمها الفلسطينيون لعقود لوصف نضالهم من أجل التحرر من الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني، والقمع العنيف، ونظام الفصل العنصري، وهو ما أقرّت به أعلى محكمة في العالم العام الماضي.
ويريد الفلسطينيون «تدويل» نضالهم عبر استنساخ نموذج التضامن الدولي الذي أسقط نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. غير أن محاولات الترويج لحركة مقاطعة وعقوبات ضد إسرائيل، على غرار ما حدث مع جنوب أفريقيا، جرى تشويهها أيضًا بوصفها كراهية لليهود.
والحقيقة أن القادة الغربيين تعاملوا مع كل أشكال الاحتجاج - مهما كانت سلمية - ضد إسرائيل وإبادتها على أنها غير شرعية، ومصدر لما يسمّى «معاداة سامية جديدة». وقد صُوّرت حركة التضامن مع فلسطين على أنها عنصرية وعنيفة مهما فعلت.
ليس من العبقرية في شيء إدراك أن خنق الاحتجاج السلمي ينطوي على خطر دفع الأمور نحو العنف. ويمكن تسمية ذلك «مأزق الفلسطينيين»، فعلى مدى عقود، قمعت إسرائيل نضالات كانت في معظمها سلمية - مثل الانتفاضة الأولى في الثمانينيات، ومسيرة العودة الكبرى عام 2018 - ما شجّع في النهاية على التحول نحو عنف 7 أكتوبر 2023.
وشرح العنف لا يعني تبريره. لكن الشرح ضروري. فهو الخطوة الأولى والأهم للبحث عن سبل الحد من الظروف التي تغذّي العنف. وهذا يفرض علينا جميعًا واجب البحث عن الأسباب الحقيقية للعنف، بدل إغلاق عقولنا عبر الإصغاء إلى شخصيات مثل نتنياهو، التي تخدمها تبريرات أنانية تهدف إلى تبرئة جرائمها.
وعندما تُفهم الأسباب الحقيقية للعنف، يصبح ممكنًا خوض نقاش جاد، واتخاذ خطوات لمعالجة هذه الأسباب - وهو المسار الذي يسعى نتنياهو والقادة الغربيون إلى تجنبه بأي ثمن في ما يخص فلسطين. ولماذا؟ لأن البحث في جذور العنف يقود مباشرة إلى عتبة بيوتهم.
يشعر ملايين البشر بعجز مطلق أمام أكثر إبادة جماعية موثّقة في التاريخ. ويرى الملايين حكوماتهم وهي تساعد إسرائيل بنشاط على قصف المدنيين، وتطهير مجتمعات بأكملها عرقيًا، وتجويع الأطفال.
لا يريد القادة الغربيون ولا وسائل إعلامهم أن تكون غاضبًا من كل ذلك. يريدونك أن تحصر غضبك في ضحايا مسلحي سيدني، وأن تكتم غضبك إزاء قتل عشرات الآلاف من الأبرياء في غزة على يد إسرائيل وشركائها الغربيين.
ولكن ليس عليك أن تختار. يمكنك أن تغضب من الأمرين معًا.
