شبحُ العباءةِ السوداء
في ليلةٍ شديدةِ البرودة، والأرض ظلامٌ مبتل، وبدرٌ يتملكُهُ الفضول حولَ ما يجري، منزعجاً من حَجْبِ الغمامِ المتكرر وغير المعتاد.
يسقط عقد "سمر" ذات الشعرِ البني الملتف، ولون بشرتها كالقهوة الممزوجة بالذهب، التفتتْ بعد أن سمعت صوتَ ارتطام عقدها العزيز بالأرض، ولم تمر ثانية حتى نسيت أمره، وجحظت عيناها من هولِ ما رأته!
في اليوم الواحد والثلاثين من شهر آذار، تستيقظ "سمر" وهي تلتقط أنفاسها، نفس الكابوس يراودها مراراً وتكراراً، الكابوس الذي لم تستطع اعتياده، تلك الملامحُ الباردة، كلما أطالت النظر فيها لم تستطع التعرف عليها، رجلٌ طويلُ الهيئة يرتدي معطفاً أسود، يطاردها من زُقاقٍ إلى زقاق، يختبئ خلف الأعمدة وينتظر فرصة الهجوم.
ترتدي "سمر" معطفاً كلونِ بشرتها، وتخرج من منزلها لتملئ رئتيها ببعض الهواء، وهي تتمشى بخطواتٍ مترقبة، تلمح طيفاً ليس كالمارة، ألا يبدو مألوفاً؟ لم تطل النظر متفحصةً ملامحه حتى وجدته أمامها مباشرةً، لم ترَ منه إلا تلك الابتسامة الخبيثة، سرعان ما تيقنت أنه (شبح العباءة السوداء).
برقت عيناها العسليتان وهي تلتفت يميناً ويساراً، مذهولةً من اختفاء جميع المارة، لم تجد حلاً أفضل من الفرار، بدا لها المشهدُ مألوفاً، حيث كان يطاردها مطاردةً شرسة.
وفجأة يسقطُ عقدها المرصع باللؤلؤ، تلتفت بعد أن سمعت صوت ارتطامه، ولكنها ذهلت من هولِ ما رأته، تحول الرجل إلى أفعى ضخمة ملتفة، وعلى رأسِها عباءة سوداء.
وقفت "سمر" عاجزةً عن التعبير، تراقب برهبة ذيلها ذا الحراشف الخضراء اللزجة، وهو يلتف بها وكأنهُ يستعدُ للهجوم، حتى أحكم قبضته وتحول لون "سمر" إلى اللون الأحمر.
نطقت سمر بصوتٍ مخنوق:
-ماذا تريد؟ لماذا تفعل هذا بي؟ ما الذي فعلتُه؟
فرد عليها رجلُ الأفعى وهو يزيدُ من قوةِ قبضتهِ:
_يالسخُفِ الإنسان! يشعلُ ناراً ثم يتعجبُ من الحريق؟ أنا من يجبُ عليَّ السؤال، لِمَ تفعلين هذا بنفسكِ؟
_أفعلُ ماذا؟
_ تتجاهلين تفاقم المرض، وترفضين جلسات العلاج، والآن تتساءلين لماذا أنتِ هنا؟ أرحبُ بكِ في أعلى مراحل الانتكاس النفسي.
تساءلت سمر، مَن هذا المخلوق؟ أهو وهمٌ عابر؟ أم أملٌ متبقٍ؟
وفجأة بدأ شريط ذكريات سمر يدور حولها، كيف كانت تغرق في بحورِ الأفكار فاقدةً أمل النجاة، شيئاً فشيئاً زادت سرعة الشريط، حتى أصابها بالدوار وفقدت الوعي.
تستيقظ سمر وتجدُ نفسها ملقاةً على سريرها المعتاد، وهي تتأمل أركانَ الغرفة تلمحُ شريطَ دواء وبجانبه ورقة صغيرة مكتوبٌ عليها:
_أرجوكِ تناولي دوائكِ، من والدتِِكِ العزيزة.
وتتذكر تكرار هذا المشهد، وعدد المرات التي رمت فيها تلك الورقة في سلة القمامة، ولكنها اليوم لن تكرر نفس القرار.
وضعت يدها على رقبتِها لتتحسس عقدها العزيز، إذ كان هدية والدتها لها، وحينما وجدته تبسَّمت...
لطالما تتكرر المشاهد وتختلف القرارات فهل يا ترى هناك أمل ونجاة؟
