«فيلم الوسيط».. صراعات وغموض لملاحقة وثائق سرية
21 سبتمبر 2025
21 سبتمبر 2025
طاهر علوان -
لا شك أن الأفلام البوليسية وأفلام الحركة والتحرّي السرّي كانت ولا تزال من الأنواع الفيلمية التي تحرّك لدى المشاهد المزيد من مساحة الاهتمام والفضول وتثير لديه دافعاً للتوقعات، وهو ما يدفع باتجاه إنتاج مزيد من الأفلام من هذا النوع الذي يجد قبولا واهتماما ملحوظا من جمهور السينما.
وفي المقابل تدخل في السينما المعاصرة استخدامات متنوعة للتقنيات الحديثة وما أنتجته الأنظمة الرقمية مما تغلغل في الحياة اليومية للبشرية وهو ما تلقفته السينما بعناية لتقدم لنا المزيد من قصص التجسس والمراقبة وأنظمة الاتصالات وما إلى ذلك في سياق مثل هذا النوع من الأفلام البوليسية.
وفي هذا السياق يقدم لنا هذا الفيلم لكاتب السيناريو جاستين بياسيكس، والمخرج ديفيد مكينزي نوعا من أفلام الحركة والعصابات في شكل فيلمي ينطوي على العديد من الحبكات والتشويق فضلا عن تواصل الصراعات بين الشخصيات حتى نهاية الفيلم، مما يقدم وصفة مكتملة لفيلم مشوق قادر على شد الجمهور إلى النهاية.
يطرح الفيلم إشكالية تتعلق بكيفية تحقيق التواصل الآمن بين الأشخاص في عصر الرقابة الشاملة، حيث لا يخفى أي نوع من الاتصالات بفضل التقنيات الحديثة، لكننا هنا بصدد متابعة كيفية استخدام خدمة حقيقية تمكّن الأشخاص الصم أو ضعاف السمع أو ذوي الإعاقة البصرية أو صعوبة الكلام من إجراء واستقبال المكالمات الهاتفية، حيث تستخدم شركة الوسيط هذه التقنية للسيطرة على التواصل بين الأشخاص الذين لا يرغبون في كشف أسرارهم ولا هُويتهم، وبين مبلغين أو محتفظين بملفات خطيرة، وبما فيها ملفات فساد شركات كبرى يهددون بكشفها للرأي العام والإعلام لكنهم يستخدمونها وسيلة ابتزاز من أجل الحصول على المال.
في هذا الإطار تقع أحداث الفيلم عندما تلجأ سارة ــ الممثلة ليلي جيمس إلى شركة محاماة لغرض إرشادها إلى وسيلة آمنة لإعادة وثائق خطيرة بمئات الصفحات تتعلق بإنتاج أبحاث سرية قامت بها الشركة التي كانت تعمل فيها وأفضت إلى التوصل إلى إنتاج نوع من الحبوب المعدلة وراثيا تغني الفلاحين عن استخدام الأسمدة أو المبيدات بسبب القدرة العالية لذلك النوع من البذور لكن سارة تضع يديها على أدلّة مؤكدة أن تلك البذور التي بيعت لفلاحين في العديد من دول العالم هي حبوب ذات طبيعة مسرطنة وخطيرة على حياة البشر.
هذا الجو المرتبك الذي يحيط سارة هو الذي سوف يقودها إلى وساطة سرية مجهولة تستخدم طرقها الخاصة لتكون وسيطا بين الشركة وبين سارة التي تحتفظ بالوثائق، ومن هنا تبدأ رحلتها في ذلك العالم المظلم المجهول وحيث تتعامل مع أشباح، تتلقى اتصالات وتوجيهات متواصلة حول الخطوات التي عليها اتباعها لبدء خطة إعادة الوثائق إلى الشركة في مقابل ابتزازها بملايين الدولارات.
على الجهة الأخرى وفي ذلك العالم المموه هنالك آش أو أشرف -يقوم بالدور الممثل البريطاني ريز أحمد، وتستطيع أن تسميه أنه الشخص ذو الأربعين وجها فهو دائم التنكر والاختباء وتغيير شكله وأزيائه، فيما هو يرسل التعليمات إلى سارة ويرشدها تارة بالسفر إلى مدينة معينة والحجز لها هناك وتارة بإرسال طرود بريدية وتارة بتغيير سكنها مع تغيير مستمر بعد كل اتصال للتلفون ولشريحة الاتصال.
هذه الدائرة التي تجمع أشرف وسارة يقابلها فريق عصابي خطير كلفته الشركة بكل ما يلزم وبما في ذلك القتل لغرض استرجاع الوثائق وخلال ذلك وبسبب إحساس سارة بالذعر والوحدة ما يلبث أشرف أن يتعاطف معها وحتى أنه يتماهى معها عاطفيا وهو ما سوف نكتشف أنه ليس إلا استدراج خبيث ومبيت لغرض الوصول إلى أشرف وانتزاع الأسرار الخطيرة التي بحوزته من الوثائق وهو ما يضفي على الأحداث تسارعا وتشويقا مع بث مزيد من الحبكات الثانوية وتبلور خطوط السرد على وفق مسارات ترتبط بالدرجة الأولى بأشرف وسارة، هذا الثنائي الذي كان المشاهد ينتظر كيف سوف يخلصان لبعضهما لنكتشف أن سارة ليست إلا فرد في التنظيم العصابي وأنها لم تكن ألا طعما تم الإيقاع بأشرف من خلاله.
ذلك الشاب المسلم -أشرف- الذي خرج مثقلا بأعباء وتداعيات الحادي عشر من سبتمبر لم يجد أمامه في فترة من حياته، إلا إدمان الكحول لاسيما بعد عمله في وول ستريت واكتشافه المزيد من الفساد والسرقة والاختلاس والاحتيال وعلى الرغم من شجاعته في الكشف عن تلك الأسرار، إلا أنه يواجه بحرب شعواء تدفعه لقبول الفصل التعسفي في مقابل تعويض مالي ومنذ ذلك الحين وهو يشن حربا لا هوادة فيها ضد تلك المافيات الغامضة متمكنا ببراعته وذكائه المفرط ونجاحه في التخلص من آفة الإدمان ومقدما قصة سينمائية متماسكة.
كتب العديد من النقاد عن هذا الفيلم وأشاروا إلى أهميته والنجاح فيه على مستويات متعددة وفي هذا الصدد يقول الناقد السينمائي مات سيتز في موقع روجر ايبيرت في معرض ثنائه على الفيلم: «هذا مثال على الأفلام التي تتميز بالحبكة الذكية وهو ما يحسب لكاتب السيناريو في براعته وأما العناصر الفنية الأخرى في الفيلم فقد كانت ذات روعة فائقة، لا سيما التصوير السينمائي عالي الجودة وتصميم الصوت، إن هذا الأسلوب الراقي في الإخراج والاهتمام بالتفاصيل الدقيقة يستحق الثناء».
أما الناقد السينمائي وليم بابياني في موقع ذي وراب فيقول: إنه فيلم إثارة مثير للاهتمام، وقد عرض في العديد من المهرجانات السينمائية، ويبدو أن هنالك إجماعًا على رأي معين. يقول الكثيرون أن الفيلم رائع.
أنه فيلم يذكرنا بأفلام الثمانينيات هنا تتميز كل شخصية بذكاء استثنائي، لدرجة أن أي خطأ، حتى لو كان مقبولا، يبدو غريبا. لقد فكر آش في جميع الاحتمالات وترك مسافة خطوتين متقدما على خصومه. إنه صراع ذكاء بين طرفين، كلاهما خبير في علم الجريمة وجمع المعلومات الاستخبارية. يشبه مشاهدة مبارزة بين اثنين من أبطال الشطرنج، مع وجود بندقية مخبأة تحت الطاولة».
من جهة أخرى، قدم لنا كاتب السيناريو والمخرج شخصية أشرف بوصفها شخصية جدلية، فهو دون شك ذو ذكاء فائق وسرعة بديهة وهو يريد إنقاذ المجتمع من الأشرار لكنه في المقابل يمكن أن يساهم في التستر على ما تقترفه الشركات الكبرى خلال مشاريعها العملاقة سواء في التهجين الوراثي أو على صعيد صناعة الأدوية أو تصنيع الأغذية وغيرها من النشاطات التي تقوم بها الشركات العابرة للقارات، فهو يمكن أن يكون وسيطا موثوقا للوصول إلى الحلول بالتراضي، اعطني ما بحوزتك من وثائق أعطيك الفدية المالية التي تطلبها وهو ما سوف يجنيه أشرف في نهاية الفيلم بعد مواجهة دامية ومطاردات مشوقة تنتهي بمواجهة مصيرية بين أشرف وسارة أيهما يسبق الآخر بإطلاق رصاصة الرحمة.
إخراج /ديفيد مكينزي
سيناريو/ جاستين بياسيكس
تمثيل/ ريز أحمد ــ في دور أشرف، ليلي جيمس في دورة سارة، إيليسا ديفز ــ في دور واش
مدير التصوير / جيل نوجينس
موسيقى / توني دوجان
