No Image
ثقافة

العمائر الإسلامية والقبطية في بني سويف.. تاريخ من الجمال

11 سبتمبر 2025
11 سبتمبر 2025

الأقصر "د.ب.ا": عُرفت بني سويف في صعيد مصر بأنها إحدى أقدم المحافظات المصرية، وبمكانتها الكبيرة في مصر القديمة. وتحظى اهناسيا أحد أهم مدن المحافظة بحضور لافت في التاريخ الفرعوني، وكان المعبود الرئيسي لبني سويف واهناسيا هو "حرشيف" الأله الكبش الذي لا تزال بقاياه موجودة بجانب بقايا معبد للملك رمسيس الثاني أحد أبرز حكام مصر القديمة. وبني سويف هي بلدة "رع حتب" وزوجته "نفرت" اللذين تجمعهما واحدة من أجمل القطع الأثرية الباقية حتى اليوم في المتحف المصري في وسط القاهرة. ونظراً لأن بني سويف تضرب بجذورها في أعماق التاريخ، فقد أقيم على أرضها متحف يعرض أهم المكتشفات الأثرية التي عثر عليها خلال الحفائر الأثرية في مناطق مختلفة من المحافظة.

وإذا كان لبني سويف حضورها في الحضارة المصرية القديمة، فقد كان لها أيضاً حضورها في التاريخ القبطي والإسلامي، وتمتلك تُراثاً معمارياً فريداً يعود لفترات متعددة في العصر الإسلامي، إلى جانب العمائر القبطية.

وعلى الرغم من التراث المعماري الإسلامي في بني سويف، والمكانة التي احتلتها في التاريخ الإسلامي، فإنها لم تحظ بقدر وافر من الدراسات التي تتناول آثارها وعمارتها القديمة وخاصة تلك التي ترجع للعصر الإسلامي.

وإذا كانت موسوعة مساجد مصر وأولياؤها الصالحون، لمؤلفتها الدكتورة سعاد ماهر محمد، قد تحدثت بتوسع عن العمارة في العهد الفاطمي، فهو العهد الذي تنتمي إليه الكثير من عمائر بني سويف الإسلامية والقبطية، وكذا العهد المملوكي، فإن كتاب "العمارة الإسلامية والقبطية ببني سويف في العصر الإسلامي"، لمؤلفه الدكتور أحمد عبدالقوي، جاء ليغطي جانباً مهما من جوانب تاريخ ومعالم بني سويف. ويسرد لنا تاريخ العمائر الإسلامية والقبطية بمدن ومراكز محافظة بني سويف، ويقدم لنا وصفاً دقيقاً لها.

ونتعرف من الكتاب الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، على المساجد الأثرية ببني سويف، وطرزها وأنماطها، والمساجد ذات التخطيط النبوي، والمساجد التقليدية، وهي المساجد التي تتكون من صحن أوسط مكشوف وأربعة أروقة.

ونتعرف كذلك على تناول الحلي المعمارية والكتابات والنقوش على عمائر بني سويف وقراها.

مئذنة عمرها ألف عام

ويستعرض الكتاب كيف أنشأ المسلمون بمدن وقرى بني سويف، العديد من المساجد الجامعة مثل جامع دلاص الذي يعود للعصر الفاطمي، وتبقى منه مئذنته التي يعود تاريخ إنشائها لقرابة ألف عام مضت، ومنها أيضا مسجد العجمي بمدينة بنى سويف الذي يعود للعصر المملوكي، ومسجد قرية بليفيا الذي يرجع تاريخه للعصر المملوكي أيضاً.

وبالإضافة إلى المساجد الجامعة، فقد أنشئت مساجد صغيرة، مثل مسجد مصطفى طاهر في تزمنت الغربية، ومسجدي الديري الغمراوي. وكان لبني سويف نصيبها من المساجد ذات القباب مثل مسجد السيدة حورية.

ويكشف لنا الدكتور أحمد عبدالقوي في كتابه عن عمائر بني سويف الإسلامية والقبطية أن اسباباً عديدة أدت لعدم وجود مساجد او كنائس من العصور التي سبقت العصر الفاطمي، ومن تلك الأسباب: المادة الخام التي شيدت بها العمائر من مساجد وكنائس، حيث شُيّدت من الطوب اللبن وهي مادة ضعيفة أمام مخاطر الفيضان التي كانت مياهه تغمر البلاد، وتطال المساجد والكنائس، إضافة إلى أن الطوب اللين مادة لا تقوى على البقاء لتأثرها بعوامل الجو خاصة الرطوبة. بجانب دخول تغييرات وتجديدات على الكثير من المساجد في العصور اللاحقة لإنشائها.

وبحسب كتاب "العمارة الإسلامية القبطية ببني سويف في العصر الإسلامي"، فقد تنوّعت طرز المساجد في بني سويف، ومنها ما ارتبط بشخصيات بارزة كان لها حضورها وسطوتها، ومنها من شيّده العامة.

مؤثرات محلية

وقد تأثرت عمائر بني سويف الإسلامية والقبطية، بالبيئة المحلية، وكان لتنوّع التربة في بني سويف وقراها أثره الواضح في تلك العمائر، خاصة في ظل ما عرفته البيئة المحلية من تنوّع في المواد الخام التي استخدمت في أعمال البناء، وفي مقدمة تلك المواد الحَجَر، حيث يتوفر في شرق النيل ببني سويف أحجار الرخام، ومحاجر الجبس والجير الأبيض، وكذا حجر المرمر.

وجاءت المواد الخام التي استخدمت في تشييد العمائر الإسلامية والقبطية القديمة ببني سويف من مناطق صحراوية تقع داخل حدود المحافظة، ومناطق تُسمى بالسهل الفيضي وتقع على الجانب الغربي من نهر النيل.

ووفقاً لفصول وصفحات كتاب "العمارة الإسلامية القبطية ببني سويف في العصر الإسلامي"، فإن توفر الحجر أتاح للمعماري القديم أن يُشيّد مئذنة رائعة لمسجد الديري على النمط المملوكي، وبناء المسجد من مادة الحجر مع مداميك من الطوب الأحمر (الآجر)، وينطبق الأمر في استخدام الحجر ببناء المساجد على مسجدي "السيدة حورية"، و"العجمي".

واستخدم الحجر أيضاً في تشييد مسجدي "مصطفى طاهر"، و"الغمراوي، وفي بناء واجهات وأعمدة مسجد أمير الدين.

وعرفت كنائس بني سويف استخدام الحجر في أعمال البناء، حيث استخدام الحجر في كنيستي دير الأنبا بولا، والأنبا انطونيوس، وخاصة في الوحدات المعمارية الملحقة بالكنيستين.

وأما القرى الواقعة ضمن السهل الفيضي، والتي تقع بين نهر النيل وبحر يوسف، فقد عرفت استخدام الطوب اللبن والآجر في بناء عمارتها القديمة.

وكان للمناخ تأثيره أيضاً، حيث كان من المهم عمل فتحات تهوية في عمائر بني سويف الإسلامية والقبطية لتمرير الهواء والتقليل من الشعور بارتفاع درجات الحرارة في صعيد مصر وكمنفذ يجلب الضوء أيضاً.

بين المساجد والكنائس

وكما يقول الدكتور الدكتور أحمد عبدالقوي في كتابه عن العمائر الإسلامية والقبطية ببني سويف، فإن الأديرة وجدت ببني سويف في العصر الإسلامي، ووجدت أديرة ما عصور ما قبل الإسلام، لكنها عمرت ونشطت في ظل الدولة الإسلامية.

ووفقا لـ "عبدالقوي" فإنه على الرغم من أن الأديرة قد انتشرت بالصحراء في بني سويف، إلا أن هناك اثنين من الأديرة التي بُنيت في وسط العمران وهما: دير الأنباء بولا، ودير الأنبا انطونيوس، ويرى البعض أن سبب وجود هذين الديرين في مناطق العمران، يرجع إلى أنهما جرى توظيفهما في توفير وإمداد الديرين الواقعين بالصحراء الشرقية بالبحر الأحمر ويحملان نفس الإسم بالمؤن ومواد الإعاشة.

ويوضح لنا كتاب "العمارة الإسلامية والقبطية ببني سويف في العصر الإسلامي"، أنه كان للحرية الدينية التي تمتع بها أقباط مصر في العصر الإسلامي دورها في إنشاء العديد من الكنائس كدور للعبادة في مدن وقرى بني سويف.

وقد اتخذت هذه الكنائس نمطا معمارياً موحداً في عمارتها وتخطيطها، إذ تتكون من مساحة مستطيلة مقسمة إلى ثلاثة أروقة، يغطي كل رواق ثلاث قباب ويغطي الهيكل ثلاث قباب منخفضة عن قباب الصحن، ويفصل الصحن عن حجرات الهيكل حجاب خشبي تأثر صانعوه كثيرا بزخرفة الأخشاب عند المسلمين، حتى أننا لنجد أن بعض الأحجبة زخرفت بالزخرفة الإسلامية التي ابتكرها المسلمون وحدهم وهى الطبق النجمي كما نرى في حجاب كنيسة الأنبا بولا ببني سويف. وتأثر الصناع المسيحيون بالنصوص الكتابية التي تعلو المداخل والمنابر والمحاريب، وكتبوا على الأحجبة ما يتوافق مع عقيدتهم وأرخوا لصناعتها أو بناتها.

ولم يتوقف تأثر المسيحيين بالزخارف والكتابات الإسلامية فقط، بل تأثروا كذلك بالعمارة الاسلامية وظهر ذلك جليا في بناء الكنائس نفسها، حيث تلاحظ وجود القباب التي تغطي صحن الكنيسة، في تأثر واضح بالقباب الإسلامية.

وتدلنا فصول وصفحات الكتاب، على أنه كان هناك تأثير آخر للعمارة الإسلامية على عمارة الكنائس، وتمثل ذلك في برج الجرس الذي جاء في بعض الكنائس مرتفعا لتأثره بالمئذنة الإسلامية، حيث اتخذ شكل المبخرة كما كانت المئذنة الإسلامية.

يُذكر أن بني سويف عرفت الكثير من أنماط العمارة، فكان بجانب المساجد والكنائس، الأسبلة، والوكالات، والحمامات، وغير ذلك من انماط العمارة التي كانت تتزيّن بها مدن وقرى محافظة بني سويف، والتي اندثر بعضها وبقي بعضها الآخر.