هل يقود الذكاء الاصطناعي إلى نمو اقتصادي حقيقي؟

09 سبتمبر 2025
09 سبتمبر 2025

ترجمة: قاسم مكي -

عندما ينطلق الذكاء الاقتصادي بالفعل فيا ترى ما مدى السرعة التي يمكن أن ينمو بها الاقتصاد؟ هل بمعدل سنوي يصل إلى 5%، أم 10%، أم 50%؟ لَكَ أن تقترح رقما ما، وإذا أردت تغطية صحفية جيدة أذكر رقما أعلى. تعتقد شركة إدارة الاستثمار «أيه أر كيه انفيست» التي تركز على الابتكارات الإحلالية أن نسبة 7% تشكل معدل نمو معقول للناتج المحلي الإجمالي بفضل الذكاء الاصطناعي. وافترض معهد الأبحاث «ايبوك أيه آي» الذي يركز على اتجاهات الذكاء الاصطناعي معدلاتِ للنمو قد تتجاوز 20% في السنة إذا تحققت شروط معينة. هنالك معلقون آخرون محافظون إلى حد بعيد في أرقامهم، مثلا الاقتصادي دارون أسيموغلو الحائز على جائزة نوبل يقدر أن الذكاء الاصطناعي خلال السنوات القليلة القادمة قد يرفع معدلات النمو السنوي بحوالي 0.1 نقطة مئوية. هذا معدل جيد، لكن ليس بما يكفي لكي يلفت الانتباه. من المفيد التفكير للحظة حول ما يمكن أن تعنيه معدلات النمو عمليِّا. عند معدل نمو يبلغ 7% سيتضاعف حجم الاقتصاد كل 10 سنوات، وربما مستويات المعيشة أيضا (لكن هل سيتم اقتسام حصيلة مثل هذا النمو على نطاق واسع؟ هذا سؤال آخر يحتاج إلى مقال آخر). في مثل هذا الاقتصاد من صاروا آباء في سن الثلاثين يمكنهم جدا توقع أن يكون أبناؤهم أكثر ثراء منهم بحوالي ثمانية أضعاف عندما يكبرون، وستشهد كل الحكومات ماعدا تلك الأكثر تبذيرا اختفاء مشكلاتها المالية، وتبخر عبء الدين القومي؛ بفضل تسارع النمو الاقتصادي. مثل هذه الأرقام ليست غير مسبوقة؛ فهنالك قلة من الاقتصادات كاقتصادات الصين واليابان وكوريا الجنوبية تمتعت لفترات طويلة بهذا النوع من النمو فيما كانت تسعى إلى اللحاق بالمجتمعات الأكثر ثراء، لكن سيكون شيئا جديدا أن نشهد مثل هذه المعدلات من النمو في الاقتصادات الأكثر ثراء في العالم، بل ما يصعب علينا تصوره بالبداهة أن ينمو اقتصاد ما بمعدل 20% سنويا، فعند مثل هذه المعدلات سيتضاعف حجم الاقتصاد ثلاث مرات خلال 10 سنوات، وعندما يكبر الأطفال سيكونون أغنى بحوالي 500 مرة من آبائهم، وسيتحقق التقدم الاقتصادي الذي يحتاج إلى قرون في عقود، وستتقلص سنواته إلى شهور. هل من الممكن أن يحدث مثل هذا النمو؟ النظرية التي تقول بذلك تبدو معقولة بقدر كاف؛ فالذكاء الاصطناعي يتقدم بما يكفي ليساعد نفسه على أن يكون أكثر تقدما، وبهذه الوتيرة من التقدم تنمو قدراته بمعدلات تفوق التصور، وتتزايد عاما بعد عام. فأنظمة الذكاء الاصطناعي الفائق هذه ستساعد في حل العديد من المشكلات الأخرى؛ مثلا بتطوير الانصهار النووي كمصدر نظيف وغير محدود للطاقة التي بلا شك ستكون مطلوبة لتزويد كل أدمغة رقائق السيلكون (أنظمة الذكاء الاصطناعي). وطوال الوقت ستتحسن هذه الأنظمة وتتكاثر باستمرار. كل هذا جيد جدا نظريا، لكن عمليا العوائق واضحة تماما. وأوضح مصدر للشك يتمثل في الأسئلة التالية: هل سيصبح الذكاء الاصطناعي متطورا بما يكفي لإنشاء أنظمة ذكاء اصطناعي أفضل؟ وهل ستكون هذه الأنظمة جيدة بما يكفي لتولي عمل البشر أو مضاعفة إنتاج البشر ليس على مستوى المعالجة المجردة فقط ولكن في اتخاذ قرارات استراتيجية أو أداء عمل مادي وعاطفي أيضا؟ وهل هنالك حقا طاقة كافية يمكن استخدامها لتشغيل كل هذه الحوسبة؟

يوحي تاريخ التقنية ببعض الحذر أيضا؛ ففي ستينيات القرن الماضي كان معدل نمو السكان يصل إلى ذروة ويزيد عدد العباقرة الذين يمكن أن يطوروا أفكارا تفيد البشرية كلها. وكان التعليم في صعود؛ فالمزيد والمزيد من الطلاب يذهبون إلى المدارس والجامعات، وينتجون بذلك زيادة مثيرة في القوة الذهنية المدربة التي لها القدرة على تعزيز نفسها بنفسها. وكان الحاسوب يقلل بشكل مثير تكلفة الحوسبة والحواسيب تُستخدم لتصميم حواسيب أفضل. وكانت شبكة الإنترنت تبدو في الأفق أيضا. وكانت هنالك مصادر دعمٍ للنمو لا تعد ولا تحصى كالسفر الأسرع والأرخص، والتمويل الأكثر تطورا لدعم الأفكار الجديدة، ومكتبات مملوءة كتبا تزداد باطراد.  فإذا أشار اقتصادي إلى كل هذا في نهاية الستينيات، وحاجج بأن معدل نمو الاقتصادات الرائدة على وشك أن يتضاعف هل كان سيبدو هذا القول سخيفا؟ في الواقع النمو في الولايات المتحدة لم يتضاعف، بل تراجع بعد عام 1970، وظل أداؤه مخيبا للتوقعات منذ ذلك الوقت؛ فربما زيادة معدل النمو الاقتصادي ليست بالسهولة التي قد يأملها المرء. في مقال له مؤخرا أشار الاقتصادي لويس جاركيانو إلى سببين لتفسير ذلك: أحدهما «أثر حلقة منع التسرب» وهي الفكرة التي عرفت بهذا الاسم بعد تسبُّب عطل في مكوِّن بسيط بمكوك الفضاء شالنجر (حلقة منع تسرب الوقود) إلى انفجاره، ومقتل كل أفراد طاقمه السبعة. في علم الاقتصاد هذه «الحلقة» تمثل الفكرة التي فحواها أن نظاما متطورا وغزير الإنتاج يمكن أن يتعطل أحيانا؛ بسبب خلل في جزء صغير منه.  تخيَّل روبوت «تدليك» يكسر رقبة أحدهم أحيانا، أو سيارة ذاتية القيادة تعتقد أن شخصا أمامها قمامة ولا تتوقف، أو نظام ذكاء اصطناعي توليدي يمكنه أن يكتب لك نصوصا لأيام بل أسابيع قبل أن يرتكب خطأ يهدد مسارك الوظيفي؟ في بعض الحالات من اليسير التغلب على ضعفٍ ما في نظام للذكاء الاصطناعي، وفي حالات أخرى قد تكون مثل هذه الهشاشات، كما في حال هشاشة حلقة منع التسرب الصغيرة في مكوك الفضاء، هي الشيء المهم حقا. هنالك تحدٍّ آخر له صلة بذلك وهو «أثر باومول» الذي يُنسب إلى الاقتصادي ويليام باومول. في الأصل كان باومول وزميله ويليام بوين يصفان اقتصاديات موسيقى «الرباعية الوترية»، لكنهما توصلا إلى فكرة أكثر شمولا؛ فأي جزء من أجزاء الاقتصاد له قيمة، لكن من الصعب جعله أكثر إنتاجا سيميل إلى استهلاك حصة متزايدة من الإنفاق (لكي تتضح فكرة أثر باومول والذي يعرف أيضا بمرض التكلفة يرجى الاطلاع على مقال مترجم عن الإيكونومست ونشر رقميا في صحيفة عمان بتاريخ 2 سبتمبر تحت عنوان «هل تستطيع الصين التكيف مع اقتصاد أقل تركيزا على الصناعة» - المترجم). حدث هذا في مرات عديدة، أولا صارت الزراعة أكثر إنتاجا بشكل كبير، ثم فعلت ذلك بنفس القدر محركاتُ البخار ثم الصناعة والحوسبة والاتصالات وغير ذلك. وعلى الرغم من معجزات الإنتاجية هذه -وفي الحقيقة بسببها- يُخصَّص المزيد والمزيد من الإنفاق لقطاعات كالرعاية الصحية والتعليم ووجبات المطاعم.  

وإذا تضاعفت الإنتاجية الزراعية غدا مرة أخرى بالكاد سيظهر ذلك في إحصائيات الناتج المحلي الإجمالي؛ فإنتاجية الحوسبة تتضاعف على الدوام، لكن نمو الناتج المحلي يظل باستمرار أقل من معدله في الستينيات. هنالك أسباب للتكهن بأن الأمور مختلفة هذه المرة، غير أن إيجاد «ذكاء رقائق إلكترونية» ليس المشكلة الوحيدة التي تتطلب حلا إذا أردنا أن نشهد نموا في مستويات المعيشة بمعدل يصل إلى 20% سنويا.  قد يكون أحد الدروس المستفادة من كل هذا أن نموا بنسبة 1% في الناتج المحلي الإجمالي ضئيل بمعايير القرن العشرين، لكنه مع ذلك يبدو متسارعا، وقد يكون الحفاظ على استدامة النمو المتسارع أشد صعوبة مما نتصور. 

تيم هارفورد كاتب رأي في الفاينانشال تايمز ومؤلف عدة كتب من بينها « الاقتصادي المتخفي».

عن الفاينانشال تايمز