كيف يبدو يوم العالم وغده؟

06 سبتمبر 2025
06 سبتمبر 2025

يبدو العالم اليوم عالما مشوشا كما ينقله لنا الإعلام بشقيه التقليدي والجديد -خاصة في هذه الصورة التي تصلنا مباشرة عبر الشاشات إلى راحة الكف-؛ يبدو العالم أكثر اضطرابًا مما كان، وهذا يدفعنا للسؤال عما ينتظرنا وننتظره من هذا العالم ونحن على أعتاب نهاية الربع الأول من هذا القرن؟

يجد المتابع للإعلام اليوم نفسه في حيرة وسط مشهد عالمي ضبابي الملامح، ومتضارب إن لم يكن متناقضا في عالم لم تعد أقطابه المعهودة طوال العقود الماضية كما هي مع بروز لاعبين عالميين، وأقطاب جديدة تحاول بدورها السيطرة والتحكم وبسط النفوذ سواء في منطقتها أو في العالم.

طرحت هذا السؤال مؤخرا على أكاديمي إعلامي متمرس، وفنان في الوقت نفسه في صدفة سعيدة جمعتنا، وكانت إجابته مهمة في نظري؛ كونها إجابة اختصاصي من جهة، ولأنها كما تبدو لي تستشرف اللحظة. وكانت إجابته باختصار هي أن كل هذا التضارب والتشويش الإعلامي الملحوظ يحدث عادة في عصور التحولات الكبرى، وأن هذا العقد كما يبدو ينبئ بتحولات عالمية قادمة، ربما تعيد تشكيل صورة العالم بأسره سواء من ناحية القوى الكبرى أو المتوسطة أو الصغرى؛ وبالتالي يعيد ترتيب الخريطة السياسية للعالم بما في ذلك منطقة الجزيرة العربية والخليج العربي خاصة بما يشكله اليوم من أحد المراكز العالمية، خاصة على صعيد المال والطاقة والثقل السياسي.

هذه الإجابة التي تكرم بها هذا الصديق كانت مهمة بالنسبة لي، وظللت أستعيدها بما بدت لي أقرب صورة ممكنة يمكن التقاطها لعالمنا المعاصر اليوم. عالم التشويش المستمر بتأثير تدفق البيانات الهائل بمختلف أشكالها على الهواتف الشخصية -خاصة عبر مواقع التواصل- فضلًا عن الإعلام التقليدي الذي وقع بدوره هو الآخر في دوامة نفس التأثيرات، خاصة مع استمرار الحرب، سواء الأوكرانية الروسية باستقطاباتها الغربية، أو حالة الحرب التي تحرص إسرائيل على استمرارها في الشرق الأوسط باستقطاباتها العالمية، وهي حالة تلفت أنظار العالم؛ ليس فقط للتهديد الذي تشكله إسرائيل وللجرائم البشعة التي تواصل ارتكابها في عمليات التطهير العرقي، لكن كذلك للاضطراب الذي تسببه على صعيد المبادئ وحقوق الإنسان، ولعل هذا أحد أهداف إسرائيل، إن لم تكن المعلنة فالمضمرة، لاستمرار حالة الفوضى و(الشواش) العالمية. وكل ذلك مدعوم بالحالة الأمريكية المضطربة داخليًا وخارجيًا تحت تأثير إدارة ترامب بكل قراراتها وتأثيراتها المختلفة وارتداداتها على الاقتصاد والسياسة، بل حتى الاجتماع على حد سواء.

في الوقت نفسه نرى تسليط الأضواء الإعلامية -كما في حالة ترقب- على اجتماعات قادة الدول داخل وخارج الحوزة الأمريكية -إن صحت التسمية-، وذلك من اجتماع الصين الأخير بمناسبة احتفالاتها إلى اجتماعات دول أمريكا اللاتينية، وكل ذلك ينبئ بأن هناك شعورًا عالميًا متناميًا في الشرق والغرب بأن القرن الحادي والعشرين بدأ يفصح عن وجهه المخفي، وهو وجه مختلف عن وجه القرن العشرين المنصرم، وإن كان يحمل الكثير من عناصره الرئيسية، والأهم هنا هو أن العالم كما يبدو في حالة حمل وولادة بمستقبل قادم مختلف.

يمكننا العودة بالتاريخ إلى العام الأول من هذا القرن وما حمله من أحداث سبتمبر الشهيرة المعروفة، وتبعاتها، والتي كأنها كانت فاتحة القرن بحدث مفاجئ غير متوقع ولا منتظر، وكأن تلك الحادثة المؤسفة بطبيعة الحال تحمل الكثير من إرهاصات العقود القادمة، وذلك ما شهدناه فعلًا من حروب أمريكا المتلاحقة في أفغانستان ٢٠٠١م، فالعراق ٢٠٠٣م، فما تلاها وصولًا إلى أحداث الربيع العربي ٢٠١١م، حتى الحرب الأوكرانية الحالية نستطيع أن نعيد جذورها إلى الثورة البرتقالية ٢٠٠٤، وإلى ما سبقها من تعاظم السخط الشعبي في أوكرانيا منذ عام ٢٠٠٠.

إن لحظة العالم الراهنة بالتأكيد ليست منفصلة عما سبقها من أحداث، ولكن وجه هذا القرن الحافل بما يكفي حتى الآن يبدو أنه كان يتضح بالنسبة لنا تدريجيا، وأنه يتبع نمطًا واتجاهًا بعينه بوتيرة متزايدة، وهذه الوتيرة تتضاعف لتحدد الخط المستقبلي أكثر فأكثر. فإذا تذكرنا الانتفاضة الفلسطينية الثانية سنجدها تحدث بداية القرن عام ٢٠٠٠ وتمتد إلى ٢٠٠٥، وفي العام التالي ٢٠٠٦ فازت حماس بالانتخابات، وحدث الصراع الداخلي الفلسطيني، واستطاعت حماس التفرد بقطاع غزة في العام الذي تلاه ٢٠٠٧، وفرضت إسرائيل الحصار على غزة نفس العام. ثم ابتدأت العمليات العسكرية الإسرائيلية على غزة بعدها عام ٢٠٠٨، حتى أصبحت تتوالى كل عامين ابتداءً من ٢٠١٢، فعام ٢٠١٩، ثم سنويًا بعدها منذ ٢٠٢٢، فعام ٢٠٢٣، وهي المستمرة إلى يومنا هذا، وكأنها ذاهبة بشكل متصاعد للنقطة الحالية، وهذا الاتجاه أصبح يفكك إسرائيل خارجيًا ويحرجها دوليًا رغم تعاظم جريمتها الداخلية.

الشيء نفسه يمكن قوله عن أحداث جارتنا اليمن، وحركة الحوثيين التي بدأت منذ عام ٢٠٠٤م ولها جذور تعود إلى عام ٢٠٠١ مع نشاط المؤسس حسين بدر الدين الحوثي الأخ الأكبر للزعيم الحالي لجماعة أنصار الله عبد الملك الحوثي، وتلت ذلك ستة حروب على الحوثيين وانتهت بتحولات الربيع اليمني وما تلاها إلى تنامي صعود الحوثيين، وإسقاط الحكومة، وحرب التحالف السعودي ٢٠١٥. وكل تلك الحروب كما يبدو لم تعمل إلا على تنامي قوة أنصار الله حتى أصبحت الجماعة -ومعها اليمن الشمالي خاصة- لاعبًا دوليًا في منطقة البحر الأحمر.

إن نظرة شاملة على ربع هذا القرن المنصرم تكشف فعلًا أن أجزاء كبيرة من صورة العالم عشية القرن العشرين قد تغيرت تغيرًا لا رجعة فيه، وأن صورة جديدة -لعلها لم تكتمل بعد- آخذة في التشكل، ليس في المنطقة العربية وحدها وهو أمر غني عن البراهين، بل في العالم بأسره. وما حالة الابتزاز الاقتصادي والسياسي والعسكري التي تمارسها حكومة الولايات المتحدة الأمريكية اليوم، والتسلح الأوروبي، إلا ملامح أخري مهمة من مستقبل جديد آخذ في التشكل والتكون أمام أعيننا.

إبراهيم سعيد شاعر وكاتب عُماني